كتبت باتريسيا جلاد في "نداء الوطن":
يوم 27 تشرين الثاني 2024 لم يكن كما قبله لناحية سيناريو الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد. النازحون عادوا إلى ديارهم لمعاينة منازلهم التي لا تزال صامدة، ومن المتوقّع أن تواكبهم المصانع المتواجدة في مناطق الجنوب والبقاع التي أقفلت ونزحت بإنتاجها ومعدّاتها الى مناطق آمنة والبالغة نسبتها نحو 5% من إجمالي المصانع التي أقفلت أبوابها لتداعيات الحرب.
لم تكن الحرب الإسرائيلية على "حزب الله" والتي شملت كل المناطق اللبنانية شبيهة بحرب 2006، حتى على صعيد القطاع الصناعي. فالمصانع اللبنانية لم تشكّل هدفاً لإسرائيل، بل ركّزت أهدافها الأمنية على المنشآت التي تعود إلى "الحزب".
في العام 2006 أصيبت المصانع اللبنانية بضربات وأضرار مباشرة ما اضطرها إلى الخروج عن العمل، أما في حرب 2024 فإن إقفال بعض المصانع أبوابه سببه الغارات المتواصلة التي أدّت إلى "هروب" الموظفين إلى أماكن أكثر أماناً، وعدم قدرتهم على الذهاب إلى العمل لا سيما المعامل المتواجدة في الجنوب والبقاع.
و"تتراوح نسبة المصانع التي خرجت عن الخدمة بين 20 و 25% وهي تتواجد في الجنوب والبقاع"، كما أوضح لـ "نداء الوطن" رئيس جمعية الصناعيين في لبنان سليم الزعنّي، مشيراً إلى أن "المعامل المتواجدة في منطقة الغازية التي تقع بعد صيدا لم تتأثّر بالحرب بل حافظت على أدائها الإنتاجي، علماً أن البعض منها أصيب خلال الضربات الإسرائيلية بأضرار جانبية.
تحتل تلك المصانع مكانة واسعة على الصعيد الإنتاجي، إذ إنها تضمّ صناعات كبيرة مثل الألبسة والمنتجات البلاستيكية والمواد الغذائية... أما المصانع المتواجدة بعد منطقة صور باتجاه المنطقة الحدودية في الجنوب والبقاع فأقفلت أبوابها بسبب الوضع الأمني وعدم قدوم الموظفين إلى العمل.
عودة المصانع النازحة
بعض المصانع غيّرت مكان عملها فنقلته اإى مناطق أخرى، وتشكّل تلك المصانع استناداً الى الزعنّي "نسبة تتراوح بين 4 و 5% من المصانع التي خرجت من السوق والتي تتراوح بين 20 و25 مصنعاً خلال فترة الحرب".
أما اليوم ومع انتهاء الحرب الشاملة والواسعة، من المرتقب، كما يؤكد رئيس جمعية الصناعيين، أن "تدير المصانع التي خرجت عن الإنتاج في المناطق غير المدمّرة كلّياً محرّكاتها الإنتاجية، ما يتطلب عودة العمالة اليها". وفي هذا السياق يؤكّد أن "أصحاب المعامل على جهوزية تامة لإعادة فتح المصانع التي أقفلت".
طبعاً، خلال فترة الحرب يقتصر "مصروف" المواطنين على الاحتياجات الضرورية أي المأكل والمشرب، وبسبب النزوح توسّع هامش الاستهلاك ليطاول الملابس والفرش والأغطية...، فانتقل الثقل الاستهلاكي إلى أماكن النزوح مثل الشمال وعكّار والجبل وبيروت وضواحيها...، ولهذه الأسباب "طوال فترة الحرب كان هناك طلب على كل أنواع الصناعات الوطنية ولم تنحصر فقط في المواد الغذائية"، بحسب الزعنّي.
ماذا عن حركة الاستيراد والتصدير؟
خطوط الشحن
تلك المشهدية الإيجابية التي سادت في الإنتاج، تركت أثراً جيّداً على حركة الاستيراد والتصدير. في هذا المجال، لم يتأثّر الاستيراد والتصدير بالحرب بل شهدا بعض التغييرات لناحية الشحن الذي يتمّ عادة برّاً وجوّاً وبحراً كما يلي:
بالنسبة إلى خطّ النقل البرّي، توقّف نظراً إلى قطع الطرق على الحدود من جراء الغارات التي شنّت والتي يعاد فتحها اليوم، وبذلك ما كان يتم تصديره برّاً مثل الأفوكا، على سبيل المثال، بات يصدّر جوّاً بكلفة أعلى بكثير من البرّ بعد أن تمّ إقفال الحدود البرّية بسبب الغارات.
في ما يتعلّق بالنقل الجوّي، بقيت شركة طيران الـ "ميدل إيست" وحيدة في الخطوط الجوّية اللبنانية، وتابعت مسارها الجوّي وسط دخان الغارات المتصاعد من ضربات كانت تحصل بالقرب من مطار رفيق الحريري الدولي والعاصمة بيروت، أكان خلال عملية إقلاعها أو نزولها إلى المطار، وبذلك لم يتوقّف النقل الجوّي يوماً.
وفي هذا الإطار يقول الزعني: "تأثرت صادرات السلع الطازجة التي يتمّ عادة تصديرها برّاً وتحديداً عبر المصنع فتحوّلت وسائل شحن الصادرات إلى النقل الجوّي وهنا كلفة الشحن تكون أغلى بكثير من البرّ، وبلغ ارتفاع الكلفة أكثر من أربعة أضعاف، علماً أن الـ "ميدل إيست" كانت تقدّم أسعاراً تفضيلية في شحن المنتوجات الخارجة من لبنان".
أما بالنسبة إلى خطّ الشحن البحري، فلم يتأثّر بدوره بالحرب، لكنه لا يزال يتأثّر بأحداث البحر الأحمر، حيث يتمّ اعتراض بواخر الحاويات في مسارها في البحر الأحمر، وتمّ اختيار مسلك بحري آخر عبر منطقة رأس الرجاء الصالح. وبالتالي يكون الطريق أطول وأكثر كلفة فالرحلة تستغرق فترة طويلة من الزمن. والدليل على أثر أحداث البحر الأحمر على الشحن البحري هو انخفاض إيرادات قناة السويس التي تمرّ عبرها الشحنات بنسبة 70%.
ورش عمل صناعية لحلّ أزمة البحر الأحمر
وفي ظلّ استمرار مشكلة البحر الأحمر، ونظراً إلى تداعياتها السلبية على صادرات الصناعيين، كشف الزعني أنه "لمعالجة مشكلة كلفة الشحن المرتفعة وتفادي شركات الشحن عبور البحر الأحمر، تعدّ جمعية الصناعيين العدة للبدء بورش عمل لإيجاد الحلول، نظراً إلى الكلفة المرتفعة التي تتكبّدها الصادرات وحتى الواردات من وإلى لبنان".
حركة الاستيراد والتصدير
بالنسبة إلى قيمة الاستيراد والتي تبلغ نحو 19 مليار دولار، لم تسجّل زيادة خلال فترة الحرب التي بدأت على نطاق الجنوب منذ 7 تشرين الأول 2023 إلى الحرب الشاملة، التي تمدّدت في 27 أيلول إلى بعلبك وكل المناطق اللبنانية واستمرت لفترة شهرين. ويقول الزعنّي: "بقيت حركة الاستيراد والتصدير على حالها، علماً أنه حصل توازن بين زيادة استيراد السلع الغذائية وتراجع استيراد الكماليات التي ليست مطلوبة خلال فترة الحرب".
وبذلك تكون الصناعات المحلية التي تقلّصت إنتاجيتها من جراء الحرب، هي الكماليات وخصوصاً الفاخرة التي لا تؤمن حاجة أساسية للمواطنين الذين تخلوا عن الكثير من حاجاتهم.
أما اليوم، وبعد انتهاء الحرب، تبقى الآمال معلّقة على قدوم المغتربين لقضاء عيدي الميلاد ورأس السنة بدفء الوطن والأهل وتحريك عجلة الاقتصاد.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك