كتب طوني عطية في "نداء الوطن":
منذ دخول "حزب اللّه" معركة الإسناد أو المشاغلة، وتطوّرها إلى حربٍ مدمّرة، شدّد في مصطلحاته وأدبياته العسكرية على أنّ "الكلمة الأخيرة للميدان"، وذلك من أجل تخفيف خسائره أو بالأحرى الصدمات التي تلقّاها تباعاً، بدءاً بتفجيرات "البيجر" وصولاً إلى اغتيال أمينه العام السابق السيّد حسن نصرالله وبنيته القيادية، وتحويل القرى الحدودية إلى أكوام من الدمار والركام.
اعتمدت "المقاومة الإسلامية في لبنان" على عقيدة قتالية مستوحاة من النموذج الفييتنامي، أي المعارك غير المتكافئة بين جيوش نظامية، وأخرى صغيرة متحرّكة شبه مرئية. وقد نجحت في هذه الاستراتيجية إلى حدّ ما، لا سيّما في حروبها السابقة مع إسرائيل.
ولطالما رفع "الحزب" سقوف التحدّي، مطلقاً "صلية" من المواقف "الطنّانة" حول قوّته العسكرية المتعاظمة وقدراته الهائلة وأنفاقه المرعبة، وإيهام نفسه واللبنانيين معاً، بأنه أرسى قواعد توازن الرعب في وجه إسرائيل غير أنّ الميدان أسقط الكثير من تلك الشعارات والسرديات على "طريق القدس". وبينما عاش "حزب اللّه" نشوة "الانتصار" بعد "حرب تمّوز"، واندفع مزهوّاً لتفريغ الدولة اللبنانية من مرتكزاتها ورفع العصي والسلاح والأصابع في وجه معارضيه، كانت إسرائيل تقرأ بتمعّن تقرير "لجنة فينوغراد" والخلاصات المرتبطة بإخفاقاتها، وتحديد المسؤوليات ومعاقبة المتقاعسين. وبناء عليه، قوّمت قيادتها السياسية والعسكرية أداءها وطوّرت استراتيجيتها، مستندة إلى تفوّقها التكنولوجي والعسكري وتراكم الخبرات.
هذا ما جسّدته في ردّها على "طوفان الأقصى" الذي دمّر غزّة وأغرق لبنان. وفي مقارنة بين معارك الـ 2006 والحرب الراهنة، أشار نائب رئيس الأركان للتخطيط سابقاً العميد الركن المتقاعد زياد الهاشم، إلى أنّ الجيش الإسرائيلي "تجنّب السقوط في "بقعة الموت" (killing zone)، كما حصل معه في "معركة الخيام" (تموز 2006) حيث تحوّلت إلى مصيدة موجعة للدبابات الإسرائيلية عندما حاولت دخول المدينة عبر سهل مرجعيون، ما مكّن "حزب اللّه" آنذاك من استهدافها عبر صواريخ "الكورنيت" مصيباً عدداً كبيراً منها. أمّا في معركته الحالية، فنفذت القوات الإسرائيلية من الفخّ، والتفّت حول المدينة من الجهتين الشرقية والجنوبية، وتمكّنت من دخولها وتفخيخ العديد من المباني والمنازل. ومن التكتيكات التي اعتمدتها في هذه المعارك، تطهير المنطقة أو البلدات ثمّ تفجيرها كي لا تسمح لعناصر "حزب اللّه" من العودة إليها ونصب الكمائن مجدّداً".
كما تميّزت المرحلة الثانية من التوغّل العسكري يضيف الهاشم، بسرعة التقدّم (بعدما كانت المرحلة الأولى بطيئة مستغرقةً 6 أسابيع)، وهذا ما حدث في منطقة كفركلا، حيث دخلها جنود الوحدة الإسرائيلية شمالاً، ثمّ انحدروا غرباً ضمن بساتين الزيتون باتجاه بلدة دير ميماس. ومع سيطرتهم على الغطاء النباتي (الذي كان يعدّ نقطة قوّة للحزب) تمّ استدعاء المدرّعات التي تحمي المشاة، ما ساعد الجيش الإسرائيلي على تحقيق أوسع اختراق برّي داخل العمق اللبناني بوصول قوّاته إلى وادي السلوقي (يبعد حوالى 10 كيلومترات من الحدود الإسرائيلية) وهو امتداد لوادي الحجير، حيث شكّل أبرز محطّات "حرب تموز" وعُرف وقتها بـ "مجزرة الدبابات".
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى ما أورده الجيش الإسرائيلي عن وصوله (للمرّة الأولى منذ عام 2000 ) إلى نهر الليطاني في القطاع الشرقي على بعد 5 كيلومترات (خطّ نار) من مستوطنة المطلة.
في القطاع الغربي، اعتمد الجيش الإسرائيلي "تقطيع القطاع" وفق العميد الهاشم، "ففصل بين ساحلي صور والناقورة، من خلال سيطرته على منطقة شمع والبياضة الاستراتيجية، كونها منطقة مرتفعة، ومن يستحوذ عليها، يتحكّم بالساحل الجنوبي".
ومن المتغيّرات والوسائل العسكرية التي اعتمدتها إسرائيل في الحرب الراهنة، هي أن العماد الأساسي لها في "حرب تمّوز" كان المدفعية (155 ملم) إذ قصفت آنذاك بين 5 و6 آلاف قذيفة على خطّ حدودي يبلغ حوالى 120 كم مربّعاً. أما في حرب تشرين (2023 – 2024) فاعتمدت بشكل كبير على الطائرات الحربية وقوّتها التدميرية التي أدّت دوراً محوريّاً في تحديد موازين القوى العسكرية لصالح إسرائيل، إضافة إلى سلّة عوامل ساهمت في تفوّقها وفرض شروطها.
والسؤال يبقى: أيُعيد "حزب اللّه" حساباته وقراءته الداخلية والإقليمية؟ هل يُشكّل لجنة "فينوغراد" داخلية يفنّد فيها إخفاقاته وتقديراته السياسية والعسكرية الخاطئة التي ورّط بها نفسه ولبنان بحربٍ كان الميدان فيها لمصلحة إسرائيل؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك