كتبت مريم حرب في موقع mtv:
حمل الشهيد رفيق الحريري مشروعاً لبنانيّاً، في منطقة على فوهة بركان تتداخل فيها المطامع وتتسابق فيها الأجندات والمصالح. استكمل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري المسيرة إلى أن اتّخذ القرار بتعليق العمل السياسي. ابتعد بيت الوسط عن ضجيج السياسة اليومية من دون أن يغيب عن أهل بيته السنّي. يدفع لبنان اليوم ثمن عدم تطبيق الدستور واتفاق الطائف، والاستقواء بقوة السلاح وتفريغ الدولة لصالح الدويلة وتغليب المصالح الخارجية على مصلحة البلد وخسارة الحضن العربي والدولي... فأين مشروع "لبنان أوّلًا" من كل ما يحصل وأين بيت الوسط من هذا الشعار؟
يوصّف الأمين العام لـ "تيار المستقبل" أحمد الحريري الواقع في لبنان بـ"تلحيء الحال"، إذ أنّ المسؤولين، وعوض البحث عن معالجات، يستفيقون بعد وقوع المصيبة لإيجاد الحلول. ويؤكّد الحريري، في حديثه لموقع mtv، أنّ الرئيس الحريري أدرك حجم الإنكار في الدولة اللبنانية وبعد مراجعة ذاتية وتصالح مع الذات اتخذ قرارًا بتعليق العمل السياسي في وقت ينزّه الجميع أنفسهم عن الأخطاء إلى أن "فوّتونا بالحيط"، موضحًا أنّ الأسباب التي دفعت الحريري لتعليق عمله السياسي لم تنتفِ على الصعيد الداخلي.
ويُبدي الحريري تخوّفه من تفسّخٍ داخليّ في لبنان، ويقول: "إيران لن تكون حريصة على مصلحتنا وعلينا أن نبحث في كيفية تحصين البلد وتغليب مصلحته بعيدًا عن أي أجندات". ويتابع: "كلّنا نعرف علاقة إيران وإسرائيل منذ أيّام قروش، وجميع اللبنانيين أدركوا أنّنا ورقة بيد إيران التي لا تريد أن تحارب بجيشها إنما بالآخرين واللبنانيون وقود في هذه الحرب"، مستخلصًا أنّ "العُطب من الداخل اللبناني وبعض الأطراف السياسية التي سمحت لإيران بوضع يدها على البلد واستقوت داخليًّا وعملت على تخريب الدولة ومقوّماتها".
ويرى الحريري أنّ لبنان منغمس في "سلسلة مشاكل، لا يحتاج حلّها إلى طاولة حوار تقليديّة بل إلى حزم وطني وأشخاص يحملون مشروعًا وطنيًّا وليس حلًّا فئويًا". نسأله أين الطائفة السنية من هذا المشهد؟ فيجيب: "الطائفة السنيّة كفّة الميزان والمشروع الوطني لم يغب عن قاداتها، ولا تزال تناشد للعودة إلى منطق الدولة". ويُضيف: "نحن ندعم بشكل كامل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وكل ما يقوم به، ولكن يجب مراعاة ظروفه في تسيير أمور البلد عبر حكومة غير مكتملة الأوصاف".
ضُرب هيكل الدولة اللبنانية بفعل الممارسات الخارجة عن الدستور واتفاق الطائف، وبفعل الأزمات المتلاحقة التي ألمّت بالبلد خصوصًا ما بعد العام 2019. يُشدّد الحريري في هذا الإطار، على أنّه لا حلّ اليوم أمامنا سوى تطبيق القرار 1701، الذي سبق وكلّفنا حربًا في العام 2006، بكامل مندرجاته. ويضيف: "جرى الاتفاق على ١٣ نقطة ضمن المفاوضات مع المبعوث الأميركي آموس هوكستين، ونأمل ألا يُنتهك اتفاق هدنة الـ60 يومًا خصوصًا في ظل وجود بنود مفخخة وطلبات إسرائيلية تمسّ بالسيادة".
وإذ يربط أمين عام "تيّار المستقبل" الصراع في لبنان بالحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية وبعناوينها التكنولوجيّة والتجارية، ومرور خطّي "الحرير" و"البهارات" في لبنان، بما لهما من تأثيرات إيجابية إذا التقت مصالحهما، وتأثيرات سلبية إذا تنافسا، يسأل كيف سيتحضّر لبنان للمرحلة المقبلة ألا وهي تغيير وجه المنطقة من آسيا إلى أوروبا مرورًا بلبنان؟
ويحدّد الحريري خارطة طريق للمرحلة المقبلة تتمثّل بـ"قيام دولة طبيعية صادقة مع شعبها، أي لا دولة super hero على طريقة "حزب الله" وعناوينه الفضفاضة "منقدر نعمل كل شي وما نعمل شي بالآخر"، ولا دولة هجينة بلا مؤسسات ورؤية مستقبلية وخطط استباقية". ويتابع: "تشكّلت قناعة أنّ اتفاق الطائف هو الخلاص وأي تطوير للنظام يجب أن يتم عبر اتفاق الطائف".
في وقت تبحث الدولة اليوم عن نفسها عساها تستعيد جزءًا من هيبتها، يصرّ الحريري على ضرورة "تكوّن إرادة وطنية للحفاظ على البلد عبر تطبيق اتفاق الطائف بكل بنوده ومقرراته"، وأي طروحات من التقسيم إلى الفدرالية وغيرهما من أفكار استجرار المزيد من الهيمنات والأجندات الخارجيّة على البلد هي "وصفات لحرب داخلية في البلد"، وهذا ما يتخوّف منه الحريري ما لم يتمتّع المسؤولون بالوعي والحزم الوطني.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك