كتب ريمون مارون - مركز الشرق الاوسط للأبحاث والدراسات الاستراتيجية MEIRSS:
في مشهدٍ يعيد رسم صورة الواقع ويكسر كل الأوهام، أظهرت الأحداث الأخيرة في لبنان أن "سردية الردع" التي طالما روج لها حزب الله، مستغلًا شعارات المقاومة وتوازن القوى، ما هي إلا وهمٌ كبيرٌ لم يجلب سوى الخراب والدمار. منذ قراره الدخول في "حرب الإسناد" في الثامن من تشرين الأوّل 2023، بحجة دعم غزة و"توحيد الساحات"، وجد أبناء بيئة الحزب، أنفسهم أمام حقيقة مرّة: أن هذا التنظيم، الذي يدّعي القوة والقدرة على الحماية، عاجزٌ حتى عن حماية نفسه، فكيف له أن يحمي شعبًا بأسره؟ فأصبحت سرديات "الردع" و"التوازن" التي يروّج لها حزب الله في لبنان مجرد شعارات خاوية، وباتت بمثابة وهم بأن هذا الحزب قادر على حماية لبنان من العدوان. ومع كل هجوم، يظهر واضحاً أن القدرة الدفاعية التي يدّعيها الحزب لا تتعدى المواقف والبروبغندا الإعلامية.
لطالما روج حزب الله لفكرة أنه يقف سدًا منيعًا أمام أي تهديد إسرائيلي، وأنه قادر على حماية لبنان من أي عدوان. استغلّ الحزب مفهوم "المقاومة" ليظهر كحامي الحمى، ولكنه في الحقيقة وضع لبنان في مرمى نيران حرب عبثية. وجاءت الأحداث الأخيرة لتكشف زيف هذا الادعاء، فقد أطلق الحزب معركةً جديدةً على حساب اللبنانيين، غير مبالٍ بتداعياتها، والتي أدت إلى تهجير الآلاف من أبناء البيئة الحاضنة للمقاومة، الذين أصبحوا نازحين في وطنهم شبه مشردين و هم الذين صدقوا بأن مراكز الإيواء مؤمنة و سلامتهم محمية.
لقد كانت "عملية البايجرز" التي طالت حوالي 4000 عنصر من عناصر الحزب بمثابة صفعة قوية، تلتها عمليات اغتيال استهدفت أبرز قياداته، بما فيهم الأمين العام السيد حسن نصرالله وخليفته السيد هاشم صفي الدين. هذه الأحداث هزّت أركان الحزب وكشفت ضعف منظومته الأمنية التي يدّعي أنها قادرة على مواجهة العدو الإسرائيلي. كيف يمكن لتنظيمٍ عاجزٍ عن حماية قادته أن يزعم حماية بلد بأسره؟ وأي "ردع" هذا الذي لم يستطع حتى حماية كوادره، تاركًا خلفه ساحةً فارغة من القيادة والتوجيه؟
الأكثر مأساويةً في هذا المشهد هو الثمن الباهظ الذي يدفعه أبناء البيئة الحاضنة للمقاومة، أولئك الذين وثقوا بحزب الله وآمنوا بسرديته. اليوم، يجد هؤلاء أنفسهم مهجرين من بيوتهم، ضحايا حسابات سياسية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ضحايا وهم "الردع" الذي قادهم إلى النزوح بدلًا من الحماية. فهل يعي الحزب حجم الخراب الذي جلبه على من وثقوا به؟ وهل يدرك أن الشعارات التي يرفعها لم تعد تطعم جائعًا أو تؤمّن مسكنًا لعائلات شُرّدت من منازلها؟
في ظل هذا الواقع المفكك، يظهر الجيش اللبناني كمؤسسة وطنية وحيدة قادرة على حماية الجنوب وأمن لبنان ككل. على عكس السرديات الحزبية، فإن الجيش اللبناني لا يسعى للسلطة، بل للسلام والأمن لجميع المواطنين، معتمدًا على مشروعية تستند إلى تأييد الشعب ودعم الدولة اللبنانية. فالجيش ليس قوة طارئة أو مسلحة بتمويل خارجي مشبوه، بل هو المؤسسة التي تمثل الشعب بكل مكوناته، وتحظى بشرعية تجعلها المدافع الأمثل عن لبنان وحدوده. فيكفي عند لقاء جندي في الجيش اللبناني حتى تنده له "يا وطن" حيث وبهذا المصطلح نختصر حقيقة ثقة الشعب اللبناني بهذه المؤسسة الشريفة.
الجيش اللبناني يمتلك سجلًا مشرفًا في الحفاظ على استقرار الجنوب، وتجربة ما بعد هدنة العام 1949 حتى العام 1965 خير دليل على ذلك؛ حيث كان الجنوب آمنًا، وكانت إسرائيل تعلم تمامًا أن العبث بأمن لبنان أمرٌ مكلف. كان الجيش اللبناني في تلك الفترة القوة الوحيدة في الجنوب، ولم تكن هناك حاجة لأي مجموعات مسلحة أو تنظيمات تحمل شعارات سياسية على حساب استقرار الشعب. و في خلال 18 سنة للجيش في الجنوب عدد اللبنانيين الذين قتلهم العدو الإسرائيلي 15 لبناني و 16 جريح وعدد الخروقات الإسرائيلية للسيادة 79 خرق من خرق للطيران الى الإعتداء على المواشي و الإعتداء عللى مراكب الصيد. بينما أرقام المقاومة في 18 سنة من تموز 2006 الى 10 نيسان 2024 عدد اللبنانيين الذين قتله العدو 2051 لبناني و عدد الجرحة 6519 لبناني أما الخروقات الإسرائيلية للسيادة 35250 خرق و المصدر هو المركز العربي للمعلومات التابع لجريدة السفير سابقًا الذي أصدر كتاب باسم الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان من 1949 - 1985 وأرشيف موقع المنار الإخباري حيث أنّ المصدرين هما لقوى الممانعة.
ومن هذا المنطلق نصل إلى حقيقة واضحة و هي إن قوة الجيش اللبناني تكمن في شرعيته، وليس في ترسانة أسلحة تبتز أمن الوطن. هذه الشرعية تأتي من الشعب ومن الدولة، والدستور وليس من دول خارجية تجر لبنان نحو محاورها الإقليمية الضيقة. في كل مرة يتواجد الجيش في الجنوب كقوة حصرية، يجد العدو الإسرائيلي نفسه مجبرًا على احترام الحدود؛ فالجيش يمثل الكيان اللبناني ككل، بينما الميلشيلت المسلحة تمثل مصالح خارجية وأجندات فردية.
حزب الله يدرك ذلك جيدًا، ولهذا يسعى دومًا لاحتكار السلاح، رغم أنه يدرك أيضًا أن الشعب اللبناني لن يقبل أن يكون أسيرًا لقراراته الفردية بعد اليوم. القوة الحقيقية لا تأتي من السلاح فقط، بل من الشرعية، ومن الثقة التي يضعها الشعب في مؤسسته العسكرية، التي لا تدين بالولاء لأحد سوى للبنان و من هنا جوهر عقيدة الجيش اللبناني.
آن الأوان أن يتوقف اللبنانيون، وبالأخص أبناء بيئة الممانعة، عن الانخداع بوهم الحماية والردع، فالأحداث أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن هذه السرديات ما هي إلا بروباغندا وسائل لخدمة أجندات لا تهدف سوى إلى الهيمنة السياسية. ما يحتاجه لبنان الآن هو حماية حقيقية تنبع من شرعية وطنية وشعبية، وليس من تنظيمات مسلحة تضع مصلحة أسيادها فوق مصلحة الشعب والوطن.
إن الجيش اللبناني هو المؤسسة الوحيدة التي تستطيع الدفاع عن الوطن وتوفير الأمن للجميع، دون تمييز. حان الوقت لأن يُدرك اللبنانيون أن حماية لبنان لا تأتي من أحزابٍ تجرّ الوطن إلى الحروب، بل من مؤسسات تكرّس أمنه وتعمل على استقراره.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك