بينما يحرص الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الركون إلى سياسة "العصا والجزرة" في تعامله العسير مع "إيران النووية"، يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متفلّتاً من أي ضوابط في هذا الإطار، ويسعى جاهداً إلى تحضير الأجواء الملائمة لشنّ ضربات قاصمة إلى إيران، التي تُعتبر "رأس الأخطبوط" في المنطقة في أعين الدولة العبرية.
فقد كشفت صحف أميركية في الأيام الأخيرة النقاب عن تقارير استخباراتية أميركية تفيد بأن تل أبيب تدرس تنفيذ ضربات جوية واسعة النطاق على المنشآت النووية الإيرانية هذا العام، مستغلّةً ضعف طهران المتزايد.
وبعدما نجح الجيش الإسرائيلي إلى حدّ بعيد في إعطاب أذرع "الأخطبوط الإيراني" ووكلائه في لبنان وغزة وسوريا، تتكاثر الدعوات من "الصقور" اليمينيين المتطرفين داخل الحكومة الإسرائيلية إلى المضي قدماً في توجيه ضربة موجعة للمنشآت النووية الإيرانية، وتضاف هذه الدعوات إلى حماسة نتنياهو المفرطة واللامتناهية لمواصلة الحروب في المنطقة، إذ إن بقاء حكومته رهن باستمرار الجبهات المشتعلة، بعدما اهتزت أسسها باستقالة وزير الأمن القومي المتشدد ايتمار بن غفير منها فور إبرام اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حركة "حماس"، من دون أن تسقط.
كذلك، تجد حكومة نتنياهو الظروف الدولية مؤاتية، بل مثالية، خصوصاً الأميركية منها، في ظلّ "تسيّد" ترامب على البيت الأبيض، للمضي قدماً في ضرب "مفخرة نظام الملالي"، أي البرنامج النووي الإيراني، الذي يؤرق الدولة العبرية منذ سنين طويلة.
"طفلة أميركا المدلّلة"
غير أن مشاركة واشنطن في أي ضربة إسرائيلية على إيران لن تكون مباشرة، بحسب ما كشفت مصادر عسكرية لـ "نداء الوطن"، أي أن المقاتلات الأميركية لن تشارك في ضرب الأهداف النووية الإيرانية، بل سيقتصر دورها على تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود جواً، نظراً للمسافة البعيدة التي تفصل بين إسرائيل وإيران، وتقدر بحوالى 2000 كيلومتر. وتضيف المصادر العسكرية أن استقدام قاذفات "بي 52" العملاقة إلى القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، خصوصاً إلى قطر، إنما هدفه طمأنة تل أبيب إلى سرعة تدخل واشنطن للردّ على أي ردّ إيراني قد يكون خارج المألوف، كما أن وجودها في المنطقة بحدّ ذاته يشكّل رادعاً كبيراً، يدفع طهران للتفكير ملياً قبل اتخاذ أي قرار بردّ كبير على إسرائيل "طفلة أميركا المدلّلة" في الشرق الأوسط.
زعزعة بنية النظام الإيراني
لا يغيب عن بال المراقبين العسكريين أن إيران أضحت مكشوفة جواً، بعد إنهاك منظومتها الدفاعية الجوية في الضربة الإسرائيلية في تشرين الأوّل الفائت، وهو ما يتركها "لقمة سائغة" في فم المقاتلات الإسرائيلية، إذ بات التفوّق الإسرائيلي الجوي جلياً أكثر مِما مضى، وباتت الدولة العبرية تتمتع بـ "سيادة جوية" وليس فقط بـ "سيطرة جوية" في الأجواء الإيرانية.
كما ذكّرت المصادر العسكرية عبر "نداء الوطن" برفع الإدارة الأميركية الجديدة في الآونة الأخيرة، الحظر على توريد قنابل تزن 2000 رطل لإسرائيل، وهي قنابل فتّاكة تخترق طبقات سميكة من الخرسانة والمعادن، ما يشير إلى تهيئة الظروف لتوجيه ضربة إسرائيلية لإيران.
وفي ظلّ تجمُّع كل هذه العوامل والمناخات التي تَشِي باقتراب الضربة "المؤلمة" لمفاعلات إيران النووية، بهدف إعادتها إلى الوراء والحؤول دون حيازة طهران قنبلة نووية، تُطرح الأسئلة الآتية: هل ترمي تل أبيب إلى ضرب المنشآت النووية فقط، أم أن هدفها الأساسي إضعاف بنية النظام الإيراني وزعزعته، وتهيئة الظروف الملائمة لإسقاطه من الداخل، كما حصل مع النظام السوري البائِد الذي ترنّح في سنواته الأخيرة، إلى حين نضوج الظروف الإقليمية والدولية التي أتاحت لمعارضيه إسقاطه؟ وهل سيلقى "نظام الملالي" المُصاب بالوهن الشديد والمترنِّح، المصير الأسود الذي لقيه حليفه النظام السوري، ليسقط خلال أيام ما بُني على مرّ عقود؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك