الذين ارتكبوا حماقةَ قطْعِ الطرق...
والذين ارتكبوا حماقةَ الأعمالِ التخريبية...
والذين يحاولون ركوبَ الأمواجِ في خضـمّ قيامة الشعب من اللاَّحياةِ الى الحياة.
نسأَلُهُـمْ: والجوابُ أسهلُ من السؤال.
ألاَ تعترفون بأنّ ذاك المشهدَ الصاعق الذي تألَّـق في ساحة الشهداء إستقلالاً جديداً في الثاني والعشرين من تشرين الثاني الجديد... ليس هو حراكـاً وليس انتفاضةً، وليس ثورة فلاحين، بل هو ثورةُ لبنانيين تمخَّضَتْ بـهم الأرض فأَنجبتْ كرامةَ وطن...؟
سواءٌ كنْـتُمْ مع هذا المشهد، أو كنتُـمْ ضـدَّه، لبنانيين أو عرباً أو أعاجم أو أجانب، فالذين لم تأخذْهُم الدهشةُ والعِبْـرة حيال عظمةِ ما يشاهدون، تكون: «لهمْ أعيـنٌ لا يبصرون بهـا، ولهم آذانٌ لا يسمعون بها... أولئك هم الغافلون».
مشهدٌ خسِئَتْ القوى الإنتهازية أن تتبـنّاه، وخَسِئَتْ أميركا أن تكون خلفَـهُ، فهو أكبـر مـنْ كلِّ رُعـاةِ البـقر والهنود الحمر.
إنه الحدث التاريخي الذي جعل الشعب اللبناني يفْقَـأُ الحصرُمَ في أعيـنِ دول العالم التي كانت تهـزَأُ بـه، تسخِّـفُه، تصنّفُه متخلّفاً ساكتاً عن الشرّ، تسَخْرُ من جواز سفره... فإذا هي اليوم تستقبل منه الوفود على مطاراتها بالورود.
شعبٌ سجّل ثقافـةً حضارية فريدة تَـقْتدي بها الثورات المدنية النابذةُ للعنف في زمنٍ: ما أنْ تنتفض فيه الشعوب وتـثور، حتى تتحوّل الى جثـثٍ حيّـةٍ تُساقُ الى السجون، وجثـثٍ مشوّهة تُساقُ الى القبور.
قد تكون الصرخة الأولى للثورة قد انطلقت من فـمٍ جائع، ولكنّها عَـبْر انطلاقتها عانتْ مخاضاً من التراكمات الوطنية البائسة، فتحوّلتْ معه الى ثورة وطنية تتوخّى لبنان القيمة الإنسانية، لا المزرعة ولا الغابة.
عندما يعيش المواطن في وطنٍ لا يستطيع إنـماءَ ذاتـه الإنسانية فيه، قـدْ يتحوَّل غضبُه ضـدَّ السلطة الفاسدة الى كراهية للوطن.
العلاقةُ سببـيّةٌ متبادلة بين الوطن والمواطن، وبين الدولة والشعب، وبينهما تفاعلٌ متبادل في المصالح والمشاعر، مثلما هناك ولـدٌ عـاقّ، هناك أيضاً والـدٌ عـاقّ ووطنٌ عـاقّ.
الفيلسوف الإلماني «نيتشه»، في كتابه: «هذا هو الإنسان» عندما انهارت في إلمانيا القيم قال: «حيثما حلَّـتْ إلمانيا أفسدت المدنية».
وعندما عاد ديغول الى الحكم سنة 1958 قال الفرنسيون: «ديغول لا يحبّ الفرنسيين إنه يحبّ فرنسا...» وفي اعتقاد ديغول أنّ لا قيمة للفرنسيين إنْ لم تكن فرنسا هي القيمة.
في ساحة شهداء جمال باشا، أبـى الثـوار إلاّ أنْ يكون لبنان هو القيمة، وأَلاّ يكون معلّقاً على مشانق التخلّف والـذلّ والحرمان، حتى لا يستشهد شهداءُ جمال باشا معنا مـرّةً ثانية في الحياة، وحتى لا نستشهد نحن معهم مـرة ثانية في الموت.
هذه الثورة التي وحَّدتْ جغرافيات لبنان، وشعبَ لبنان في الجغرافيا، وحدّدت مفاهيم جديدة للوطنية والسيادة والديمقراطية والسياسة والنهج المسلكي والأخلاقي لأهل الحكم، جديرةٌ هي بأن يحتضنها مَـنْ تبقىّ في لبنان من عقلاء وعلى رأسهم السيد حسن نصرالله، بوحيٍ من سيـرةِ ومسيرة أبي الحسنين.
الإمام الأكبر هو الذي أطلق شرعة حقوق الإنسان: في العدل والحق، والمساواة والنزاهة والعفّة والرحمة، والحكمة والإنصاف والحكم.
فلّيكنْ من هذه القِـيَمِ الساميات شعارُ الثورة لإنقاذ الوطن من فواجع الأهوال، ومن «أشباه الرجال ولا رجال...»
نعم يا سيد: الفاسدُ كالعميل لا وطنَ له ولا دين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك