لا شيء يفسّر إطلالة رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل المقتضبة للاعلان عن اقتراحات قوانين سيتقدم بها تكتل "لبنان القوي"، إلا بكونه يُخضع صورته لاختبار الشارع بعد انكفاء لأكثر من شهر عن المنبر والشاشة (باستثناء مشاركته في مؤتمر عن "التصدي للاضطهاد الديني" في بودابست).
كان يمكن لأي من نواب "التكتل" القيام بهذه المهمة المحددة، خصوصاً أنّ باسيل تجنّب الكلام في الشأن الحكومي، مؤجلاً إياه للأسبوع المقبل. إلا أنّه أصرّ، كعادته، أن يكون الناطق باسم التكتل، و"واجهته الحصرية"... رغم العاصفة الهوجاء التي واجهها منذ السابع عشر من تشرين الأول والتي يفترض أن تدفع به إلى الصفوف الخلفية، ولو لفترة محدودة، لإعادة قراءة المشهد الداخلي وتقييمه.
ليس هذا فقط، يحتاج سلوك باسيل بأكمله إلى إعادة تقييم شاملة لتحديد مكامن الخلل والأعطاب التي ساهمت في تشويه صورته، وهي ليست بسيطة أو قليلة، قبل أن يخرج من جديد إلى العلن ويواجه الرأي العام بعد تحسين صورته وتلميعها.
إلا أنّ الرجل فضّل العودة سريعاً إلى الأضواء، بعدّة قديمة أثبتت فشلها، في وقت لا تزال الأزمة الحكومية في قعرها مهدّدة بمزيد من التعقيد، مع أنّ رئيس "التيار الوطني الحر" أعطى مهلة ساعات اضافية قبل إعلان مراسم "دفن" مبادرة ترئيس سمير الخطيب لحكومة انقاذية.
ولكن قبل العودة المرجّحة إلى المربع الأول لا بدّ من ذكر ملاحظة أساسية وهي اللامبالاة التي تعاطى بها الحراك الشعبي مع تسريب اسم الخطيب لرئاسة الحكومة، رغم أنّ الرجل يرتبط بمنظومة علاقات وثيقة مع أركان السلطة المتهمين بالفساد، ويتردّد أنه جزء من شبكة المقاولين الذين تقاسموا كعكة تلزيمات الدولة. ولكن الشارع بدا غير معني بما يحصل في كواليس المشاورات.
عملياً، تتعاطى مكونات السلطة مع طرح تسمية الخطيب لرئاسة الحكومة على أنّها مسألة منتهية، لكنها تحتاج من يتلو وثيقة نعيها. ولهذا فضّل باسيل ترك الأمور إلى اليوم الجمعة، خصوصاً أنّ هناك من يحاول البحث عن ابرة حلّ في كومة قشّ الخلافات.
لكن طبّاخي الحكومة، يدركون جيداً أنّ الطابة عادت إلى ملعب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، الذي لا يزال حتى اللحظة يعتصم برفضه العودة إلى السراي الحكومي، لكن الثنائي الشيعي يتصرف على أساس أنّه لا حكومة إلا إذا ترأسها الحريري... أو غطّاها.
في النتيجة، إلتحق الخطيب بقافلة "الأسماء المنكوبة" التي احترقت على نار الحراك الشعبي، ووقود "تيار المستقبل"، كما يقول خصومه. ويُنتظر أن يخرج الرجل اليوم من دائرة الضوء بعد مواجهة حراكه الحكومي رزمة عقبات، ليطلق من جديد رحلة البحث عن "مغامر" قادر على مواجهة أزمة اقتصادية - مالية هي الأصعب والأعقد منذ انتهاء الحرب الداخلية.
وعليه، تقول مصادر قوى الثامن من آذار إنّ انتهاء العرض الثالث لتسمية رئيس حكومة غير الحريري، على "صفر"، يعني في طبيعة الحال العودة إلى "حضن" الحريري. الأخير حاول من خلال بيانه المكتوب، تنظيف سجله من تهمة التردد واستخدام المناورات، كما يقول خصومه. لكنه في المقابل، زاد من منسوب الحيرة في أذهان الفريق الآخر.
تضيف المصادر، إنّ الحريري "لم يكحّلها بل عماها" في الغموض الذي رفع البيان من منسوبه وجعل الاجابة على سؤال ماذا يريد الحريري، مستحيلة بفعل تضارب الانطباعات بشأن حقيقة تفكيره... ولو أن البعض يعتبر أنّ البيان يؤكد ما هو مؤكد بالنسبة إلى قوى الثامن من آذار: "الحريري مصرّ على العودة إلى رئاسة الحكومة ولكن وفق شروطه".
يؤكد هؤلاء أنّ رئيس "تيار المستقبل" وضع مفاوضيه أمام معادلة من ضلعين: إما أنا رئيس الحكومة وإما اذهبوا إلى حكومة أكثرية. هو يعرف أنّ الثنائي الشيعي يحاذر أبغض الحلال وهو حكومة الأكثرية النيابية، ويرفض خنقه في هذه الخانة القاتلة، ولذا يستقوي الحريري بحاجة شركائه لوجوده على رأس السلطة التنفيذية، كي يفرض شروطه.
هكذا، تجد قوى الثامن من آذار نفسها أمام خيار الحريري من جديد في محاولة متجددة لرسم خطوط التقاء وسطية، من شأنها أن تنسج تفاهم ما بعد 17 تشرين الأول... أو خيار حكومة أكثرية نيابية، ولكن بمواصفات استثنائية ترضي الشارع وتحدث صدمة ايجابية قد تعوّض عن غياب الثلاثي "المستقبل"- "الاشتراكي"- "القوات" عنها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك