فيما الوضع الاقتصادي والمعيشي هو المشهد الأبرز على الساحة اللبنانية، وفي خضمّ الاحتجاجات التي تعمّ مختلف المناطق للمطالبة بأبسط حقوق العيش بكرامة، تطفو الى الواجهة مشهدية قديمة جديدة، هي طوابير السوريين أمام الصرافات الآلية. نستعرض خطوطها العريضة في سطور بعيداً من تناولها بعنصرية.
بعد أن تآلف اللبناني منذ سنوات مع مسألة النازحين السوريين انسجاماً مع قناعاته الانسانية والإجتماعية، خصوصاً في البقاع الذي يحتضن النسبة الاكبر منهم وتصل الى 37%، ومع تقديم الفرص المتكافئة من فتح المدارس العامة وتقديمات خدمات الطبابة والاستشفاء، والمساعدات الغذائية، وانكماش فرص العمل للشباب اللبناني في مقابل فتحها امام النازحين، تتفاوت نتيجة لذلك الآراء بين مؤيّد لاحتضانهم ومُعارض لوجودهم، حتى تعاظمت المخاوف مع عودة اعلان المجتمع الدولي موقفه المُطالب بدمج النازحين السوريين في المجتمعات المضيفة وتأمين فرص العمل لهم.
هذا الأمر ادّى الى حالة من الغليان في الشارع البقاعي، ولا سيما الزحلي، خصوصاً مع ما شهدته زحلة في الايام الماضية في ذروة ايام الانتفاضة، من توافد طوابير النازحين السوريين الى الصرافات الآلية، ممّا شكّل مادة استفزازية للكثير من سكانها، ولا سيما الشباب منهم، الذين ردّوا على هذا الحشد في بضع مرات بالاعتداء عليهم وممارسة الضغوط لمنعهم من الوقوف أمام أبواب المصارف، مما استدعى تدخّل جنود الجيش اللبناني الذين كانوا بمهمة حماية سلامة المتظاهرين.
وفي تفصيل قيمة المساعدات التي تقدّمها مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإنّ كل فرد من النازحين السوريين يحصل على 23 دولاراً للفرد الواحد كمساعدة غذائية، فيما أضيفت إليه عن شهر تشرين الثاني الجاري مساعدات «التدفئة» وقيمتها 560 الفاً لكل عائلة.
وأول ما يتبادر الى ذهن المواطن هو: هل يقبض اللاجئون مساعداتهم بالعملة الاجنبية في ظل أزمة السيولة في الدولار الأميركي؟ فأتى الجواب على لسان مصدر من داخل المصرف، بأنّ «العملة المقبوضة حالياً هي بالليرة اللبنانية».
واللافت، أنّ سبب وجود اللاجئين بكثرة أمام البنك اللبناني الفرنسي في زحلة هو نفاد السيولة من صرافات المصارف الملحوظة لتقديم المساعدات للاجئين، وبسبب إقفال المصارف تماشياً مع قرار جمعية المصارف. فعليه لم يتبقَ في البقاع سوى مصرفين الاول هو مصرف الـ«BBAC» في بعلبك، والثاني هو مصرف الـ«BLF» في زحلة، فتوزعت الاعداد ما بينهما، وفي أكثر الأوقات كان التوافد كبيراً من بعلبك في اتجاه زحلة.
لا تخلو ساعات النهار، وعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، أي منذ استحقاق موعد المساعدات، من وجود اشكالات طفيفة تارة بين النازحين أنفسهم من تدافع وتدافش حول الافضلية والتراتبية، وطوراً بين النازحين وبعض المواطنين الذين يرون في مشهد النازحين أمام الصرافات، مشهداً غير مألوف ومستفزاً في ظل الازمة الاقتصادية الحادّة التي يتخبّط فيها لبنان واللبنانيون.
وما زاد الأزمة تفاقماً كان اقفال المصارف أبوابها في وجه المودعين، وتقطير سحب الاموال من حساباتهم المصرفية. أما لمن لم يحالفه الحظ فكان عليه حجز دور آخر والانتظار حتى ساعات متأخّرة من الليل في حال فرغ الصراف الآلي من الفئات النقدية، وذلك عملاً بالنظام المصرفي بإعادة تعبئة الصرافات بعد الساعة الثانية بعد الظهر يومياً.
في المقابل، يرى الدكتور حسن العلي الخبير في الاقتصاد السياسي، انّ هذا الامر طبيعي ومفعوله ايجابي من الناحية الاقتصادية، وذلك لأنّ تحويل المساعدات يجري بالعملة الأميركية، كما انّ المساعدات تُسحب بالليرة اللبنانية، فتتحقق بعض الارباح ويُستفاد من فرق التحويلات، فتتعزز العملة الصعبة
بـ 300 مليون دولار في السنة.
ولم يخفِ العلي حجم الضرر الاقتصادي الناجم عن ازمة النزوح والبالغة خسائرها 19 مليار دولار. ويضيف، انّ 70 في المئة من النازحين يعيشون تحت خط الفقر، ويشير الى ازدياد معدل الجريمة بنسبة 42 في المئة، أما الكهرباء فزادت نسبة استعمالها 400 ميغاواط، فيما خدمة النفايات زادت 15 في المئة، بالاضافة الى زيادة نسبة استهلاك المياه والخبز والى ما هنالك.
ويعتبر العلي، انّ مسألة النازحين هي بمثابة قنبلة موقوتة تستدعي تدخّل سفيري البلدين لحل هذه الازمة، ان لم يكن على مستوى خط السياسيين الاول، خصوصاً مع وجود مؤشر اقتصادي جديد يتمثل بإعلان سوريا نيتها استيراد 70 طناً من الموز اللبناني.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك