أطلق "حزب الكتلة الوطنية اللبنانية" اليوم الأربعاء حملة مشروع "أفعال" لمكافحة الفقر المدقع، ويهدف إلى دعم ربع مليون لبناني يعيشون بأقل من ستة دولارات في اليوم، من خلال اقتراح قانون ينصّ على إلزام الدولة تأمين ثلث الحد الأدنى للأجور أي 225 ألف ليرة لبنانيّة لهذه العائلات شهرياً مقابل تحقيق شرطين، الأوّل تعليم الأولاد القاصرين، والثاني إلتحاق الأهل بدورات تدريب مهني. وإذ أمل في أن يحصل الاقتراح على إجماع النواب، أوضح أنّ كلفة المشروع البالغة 110 ملايين دولار أميركي لا تتجاوز 1.8% من كلفة الفساد في لبنان.
وقال الأمين العام لـ"حزب الكتلة الوطنية اللبنانية" بيار عيسى خلال مؤتمر صحافي عقده الحزب البوم إنّ شعار حزب "الكتلة الوطنية" هو "لبنان مزدهر، أخضر وعادل"، مشدًدا على أنّ "العدالة" هي أهم شيء، كالعدالة بين الرجل والمرأة بين الكبير والصغير، وبين المناطق ما معناه وجوب إعادة توزيع الثروات بطريقة عادلة، ولخلق الثروات يجب أن يحصل "الإزدهار"، فعلى عكس ما يعتقده بعضهم لا يؤدّي تفقير الغني إلى إغناء الفقير. ولفت إلى أنّه من هنا تمّ تضمين شعار "الكتلة" كلمة "مزدهر" لأنّه يجب أن يكون هناك من يخلق الثروات ومن يخلق فرص العمل لنستطيع إعادة توزيعها بطريقة عادلة.
وأضاف منبّها إلى أنّ الخطر مع المبادرين ورأس المال الذي يخلق الإزدهار ويخلق الثروات وفرص العمل هو الطمع والجشع وهناك خطر من أن تُستغل الثروات الطبيعية أكثر من قدرتها على التجدّد، ولهذا السبب وضعنا الضوابط ضد الطمع ومخاطر الجشع وقلنا نريد لبنان "أخضر".
وفي هذا السياق، أوضح عيسى أنّ مشروع "أفعال" الذي نتحدّث عنه اليوم هو اقتراح قانون لمكافحة الفقر المدقع، فالأولوية يجب أن تكون للإنسان ولكرامته، فهناك قدسية للإنسان وكرامته ويجب أن تكون أولوية لدى الجميع، فالناس أسيادنا وأربابنا والضعيف قبل القوي والفقير قبل الغني. وأكمل عيسى أنّ هؤلاء الأشخاص الذين هم أسيادنا وأربابنا هم أول الضحايا، إذ إنّ الفقراء هم أوّل ضحايا الأزمة الاقتصادية، واليوم نعيش أزمة اقتصادية من أقوى الأزمات التي مرّت على البلد وأوّل ضحاياها هم الفقراء.
وأشار عيسى إلى أنّه في خلال ثلاثة أشهر كان لنا مشروعين للموازنات، موازنة 2019 ومشروع موازنة 2020، وهذا أمر جيّد في محاولة للتعويض عن السنوات الماضية. ولكن مع الأسف، فإنّ قضيّة العدالة الاجتماعية فيها إمّا غير ملحوظة أو ملحوظة بأرقام جدًا خجولة، موضحاً أنّ البرهان أنه تبيّن من خلال الدراسات أنّ شبكة أمان لبنان لا تشكّل أكثر من 1% من الدخل القومي وهو يشكّل أدنى نسبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهذا الأمر غير مقبول كليًا.
من ناحيةٍ أخرى، قال عيسى إنّ نظامنا الضريبي غير عادل كليًا، فـ70% من ضرائبنا هي غير مباشرة وهي تطال كلّ الطبقات ولاسيّما الطبقتين الوسطى والفقيرة، هذا إذا كان هناك بعد ما يُسمّى طبقة وسطى؛ فنحن نقول إننا نعيش في لبنان الحديث، إلاّ أنه ليس هناك إلاّ حديثي النعمة وحديثي الفقر مع الأسف.
وكشف عيسى أنّ كلفة مشروع "أفعال" هي 110 مليون دولار أميركي؛ ومن الممكن أن يعتقد بعضهم أنّ بهذه الأزمة الاقتصادية وبهذه الموازنة التقشفية المبلغ المذكور كبير، إلاّ أنني أريد هنا أن أذكّر بأنّ هناك 235 ألف لبناني يعيشون تحت خط الفقر المدقع وهم غير مرئيّين وغير مسموعين، كرامتهم غير مُصانة، ومهمّشين كلّيًّا. ولإنقاذ أولئك الـ235 ألف مواطن الكلفة الدقيقة هي 6% من كلفة التهرّب الضريبي أو التهرّب الجمركي، وهي أقلّ من 1.8% من كلفة الفساد في هذا البلد.
وفي سياقٍ متصل، أكمل عيسى أنّنا نسمع كيف أن الكلّ أصبح معنيًّا بمكافحة الفساد ما معناه أننا نستطيع أن نوفّر كثيرًا. و كذالك إذا أردنا انتشال 235 ألف نسمة من الفقر المدقع وإعادتهم إلى الحياة والإنتاج والمشاركة في التنمية، هذا الأمر يكلّفنا 0.1% من فائدة الدين العام. ما معناه أنّه إذا رأس المال الذي ديّن الدولة يقبل أنْ يقبض فائدة 0.1% أقلّ، نكون أنقذنا 235 ألف نسمة وهذا الأمر دليل على أنّ هناك خللاً بالعدالة الاجتماعية ويوجد لدينا خلل في العقد الاجتماعي ما يستوجب الإصلاح.
وأوضح عيسى أنّ الخلل في العقد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية هي الأرض الخصبة للمشاكل والعنف وحتّى للحروب؛ ما معناه أنه في العام 1975 لو لم يحصل هذا الخلل آنذاك في العدالة الاجتماعية، وعلى الرغم من كلّ المشاكل وكلّ الصراعات على المحاور وعلى سلاح المجموعات الفلسطينية، لما كانت اندلعت الحرب.
وإذ دعا إلى أنّ نتعلّم من أخطائنا ولكسر الحلقة المفرغة لأنّ الفقر يولّد المشاكل والعنف، كالعنف الأسري أو العنف في المجتمع، شدد عيسى على أنّ الفقر مكلف على الصحة العامة وهو مكلف على جميع الجبهات.
كما دعا إلى كسر هذه الحلقة المفرغة لأنه إذا ولّدنا العنف نولّد حروبًا وإذا ولّدنا الحروب نولّد فقرًا، ونعيش بدوّامة وحلقة مفرغة من الضروري أن نكسرها ومن الضروري أن نبدأ بهذا الأمر اليوم ولدينا كلّ الثقة أننا لسنا وحدنا من يعي أهمّية هذا الموضوع، إنما هناك 128 مشرّعًا في المجلس النيابي يختلفون على أمور عدّة ولكن لدينا كلّ الثقة بإنسانيّتهم وبعدالتهم ونأمل أنّ يحظى اقتراح القانون هذا على إجماع و128 صوتًا بعكس بقيّة المشاريع.
وتطرّق عيسى إلى الحملة باعتبارها طريقة حديثة في الحياة الحزبيّة، و سنعمل على 3 صعد:
-من الناحية السياسيّة سنزور جميع ممثّلي الأحزاب في السلطة وكذلك المستقلّين وسنتابع موقفهم من اقتراح قانون "أفعال"
-على مستوى التوعية فستشاهدون ذلك على الطرقات ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وفي أفلام وثائقيّة قصيرة تنقل حياة 4 أطفال يعيشون في الفقر، فضلاً عن اللافتات الموزّعة في أرجاء لبنان.
-على مستوى مشاركة المواطنين في الحملة عبر مناصري الحزب وأصدقاء "الكتلة الوطنيّة"، ولكن وبشكل خاص، عبر شبكة تضم 20 منظّمة غير حكوميّة سيساعدون في نشر الحملة، وكذلك عبر
"البنك الدولي" الذي يدعم هذا المشروع.
"البنك الدولي" الذي يدعم هذا المشروع.
وإذ أوضح أنّ مشاركة المواطنين ستكون عبر حملة على الأرض في مناطق بيروت وطرابلس وعكّار وجبل لبنان والجنوب والبقاع؛ شدّد عيسى على أهمّية توقيع عريضة تأييد إقرار القانون كي يكونوا جزءاً أساسياً من التغيير؛ وهذا ما سيشكّل وسيلة ضغط إضافيّة في مناصرة الحملة.
وختم بالقول كيف بإمكانكم مساعدتنا، وقّعواً، شاركوا، أنقلوا الكلمة وإذا كان لديكم القدرة تطوّعوا في الحملة.
بدوره، قال عضو "اللجنة التنفيذيّة" في "الكتلة الوطنيّة" النائب السابق روبير فاضل إننا نطلق اليوم حملة وطنية لقضية عزيزة كثيراً على قلبي. فقد قمت بجهد كبير لتحقيقها يوم كنت نائباً في المجلس النيابي. إلا أنّ عملي هذا لم يتكلّل بالنجاح لأنّه كان بحاجة إلى مجموعة من الأشخاص، وليس إلى فرد وحيد، وأن يكون لديهم المفهوم ذاته للعمل السياسي ولاحترام الإنسان.
ولفت إلى أنّ هذه القضيّة المحقّة تلقّفتها اليوم مجموعة مندفعة ومؤمنة وقادرة على إعطائها بعدها الوطني. فبالفعل، الإنسان هو أساس عملنا. الإنسان قبل الوطن والكيان والطائفة والهويّة.
وهذا هو معنى المادة الأولى من رؤية "الكتلة الوطنيّة" التي تنص على أنّ "أسمى الأهداف وأنبلها هي المحافظة على الإنسان وعلى كرامته وحرّيته وسلامته الجسديّة والمعنويّة" - لكن هذا ليس الحال في لبنان، وهي مهدّدة اليوم نتيجة ضعف الدولة وغياب مفهوم المواطنة وتسلّط "الأحزاب-الطوائف".
وتمنّى فاضل لو أنّ الحاجة انتفت اليوم إلى اقتراح القانون هذا، بعد مضي 5 سنوات على تقديمه، إنّما الحقيقة هي مع الأسف على العكس تماماً، وضرورة اعتماده أصبحت أكبر نظراً إلى الأزمة الاجتماعية والتقشّف الذي نعيشه.
وتناول فاضل الأسباب الموجبة لهذا القانون، وقال إنّ هناك ربع مليون لبناني يعيشون بأقل من 6 دولارات في اليوم؛ ربع مليون لبناني لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الأساسيّة؛ ربع مليون لبناني يضطر أكثر من نصفهم على سحب أولادهم من المدرسة؛ أي أنّ ربع مليون لبناني، نعم لبناني لا نازحاً أو لاجئاً، من كل المناطق وكل الطوائف تجمعهم مصيبة واحدة هي العوز وانعدام الأفق والأمل.
ولفت إلى أنّ هؤلاء المواطنين ليسوا فقط من مناطق الأطراف، إنّما موجودون هنا أيضاً على بعد 3 دقائق من قلب الجمّيزة، يعيشون في ما يسمّى حزام البؤس المحيط ببيروت شمالاً، وشرقاً وجنوباً.
وتطرّق فاضل إلى الحل لهؤلاء المواطنين، وقال إنّ الحل بسيط جداً، مساهمة نقديّة مشروطة عبر إلزام الدولة بتأمين ثلث الحد الأدنى للأجور أي 225 ألف ليرة لبنانيّة لهذه العائلات مقابل تحقيق شرطين، الأوّل تعليم الأولاد القاصرين، علماً أنّ وزارة الشؤون تغطي رسوم التسجيل وصندوق المدرسة ويفترض أن نزيد عليها كلفة النقل؛ والثاني هو إلتحاق الأهل بدورات تدريب مهني تقدّمها وزارة التربية بهدف كسب مهارات جديدة.
وأضاف أنّ هذه المساهمة ليست مساعدة إجتماعية تخلق نوعاً من الاعتماد أو الاتّكال على الدولة، إنّما على العكس، هي استثمار في طاقاتنا البشريّة كي تتحوّل إلى عناصر منتجة ليست بحاجة إلى أيّ مساعدة بعد 4 أو 5 سنوات.
وشرح فاضل ماذا حصل يوم قدّم إقتراح القانون، وقال: وقتها، رحّب كل من رئيسي الجمهوريّة ومجلس النوّاب بهذه الفكرة وحتى أنّ رئيس الحكومة تبنّاها مع كتلته النيابيّة؛ وأقرّته لجنة الصحّة ولجنة الشؤون الاجتماعيّة ودرسته لجنة المال والموازنة؛ إلا أنّه بعد سنة ونصف من الجهد، تبيّن أنّ هناك قلّة حماسة لأسباب عدّة، منها أنّ هناك إنكاراً لوضع الفقر في لبنان وكأنه مسألة تخصّ اللاجئين والنازحين فقط وغير قائمة إلا في مناطق الأطراف. وكذلك لأنّه ليس عند الفقراء نقابات تدافع عن حقوقهم، ولأنّ هكذا قانون يتطلّب تخفيف جزء صغير من الهدر حتى لا نستخدم كلمة أخرى، وأيضاً لكونه يحرّر 250 ألف لبناني من الخدمات والمساعدات وبالتالي يحد من إمساك الزعماء بالقواعد الشعبيّة.
وشدّد فاضل على أنّه من غير الجائز أن تتردّد الدولة في صرف 110 ملايين دولار لمساعدة الفئات الأضعف من مواطنيها أن أن تتّكل على المساعدات الخارجيّة ومن المجتمع المدني.
وأوضح، في السياق ذاته، أنّ هذه الفكرة ليست بجديدة إنّما تمّت تجربتها في أكثر من 50 دولة ولعبت دوراً أساسياً في الحد من الفقر، وآخرها كان في مصر عام 2015 من خلال برنامج "تكافل و كرامة" بمساعدة "البنك الدولي" وهو عبارة عن مساعدة نقديّة مشروطة بتعليم الأولاد و بعض الفحوصات الطبّية لهم. وأضاف أنّه تبيّن بعد التجربة أنّ هذه المبالغ تُصرَف في محلها الصحيح، إذ تحسّنت نوعيّة الأكل وتسديد الديون القديمة والمصاريف الطبّية التي انعكست على الوضع الصحي وبالتالي على موازنة وزارة الصحّة.
وعن توقيت هذه الحملة، لفت فاضل إلى أنّ الدولة في طور تحضير موازنة العام 2020 ولا أحد يعلم حتى الساعة كيف ستكون هذه الموازنة بعد أنْ يقرّها المجلس النيابي ولكن، ما يمكنني أن أقوله لكم إنّ عنوانها سيكون أوّلاً خفض العجز، وثانياً لن تُعتَمَد إجراءات اجتماعية لتحدّ من أثرها على الطبقات الوسطى والفقيرة.
وأضاف أنّه لهذا السبب ندعو الحكومة لتبنّي برنامج "أفعال" ضمن هذه الموازنة، لأنّه إذا وفّرنا المليارات من جيوب الناس، فإنّ أقلّ الإيمان أن ندعم الفئات الأضعف في مجتمعنا.
وختم فاضل بالقول إنّنا في بداية طريق طويلة ولكن قناعتنا أنّه بالمثابرة والتواصل مع الأحزاب، والمجتمع المدني، سيغلب الحسّ الوطني والإنساني والأخلاقي وسيتبنّى النوّاب بأغلبيّتهم هذا البرنامج.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك