هل ينجو الرئيس الأميركي دونالد ترامب من عملية الخلع التي أطلقها الحزب الديموقراطي المعارض؟ وهل يبقى ترامب رئيساً في البيت الابيض حتى نهاية ولايته؟ وهل تؤثر عملية الخلع على فرص إعادة انتخابه العام المقبل؟ أم أن نجاته من الخلع تعزز فرص فوزه بولاية رئاسية ثانية؟... كلها أسئلة تحير الأميركيين والعالم، فيما الإجابات عنها معقدة ومرتبطة بسلسلة من العوامل المتغيرة مع التطورات.
العنوانان الأبرز حتى الآن هو أن ترامب في مأزق لا يحسد عليه، وأن الفئات التي ما تزال متمسكة به داخل الحزب الجمهوري، على تضاؤلها، ما تزال قادرة على منع التصويت على الاطاحة به في مجلس الشيوخ، الذي تسيطر عليه غالبية من الجمهوريين، مقارنة بمجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديموقراطيون، وهو ما يعني انه يمكن للنواب حسم التصويت لمصلحة خلع ترامب، وهو تصويت بمثابة ادعاء عام ضد الرئيس، وهو ادعاء يحوّل مجلس الشيوخ إلى محكمة منعقدة للنظر في الادعاء والتصويت عليه. وتحتاج الموافقة على خلع الرئيس غالبية الثلثين في مجلس الشيوخ البالغ عددهم مئة، اي 67 سناتوراً.
ويبلغ عدد الديموقراطيين ممن سيصوتون على خلع الرئيس في مجلس الشيوخ 48 سناتورا، في مقابل 52 سناتورا للجمهوريين. على ان الجمهوريين ليسوا متراصين خلف رئيسهم، ومن المتوقع ان ينضم عدد منهم، بقيادة السناتور عن ولاية يوتا والمرشح الجمهوري السابق للرئاسة ميت رومني، الى الديموقراطيين والتصويت على خلع ترامب. وينشط رومني في حملة لحشد التأييد بين الشيوخ الجمهوريين لخلع ترامب، وهو نجح حتى الآن في كسب تأييد عدد منهم.
الا ان رومني سيحتاج الى 18 سناتورا جمهوريا، فضلا عن صوته، للانضمام للديموقراطيين، لخلع ترامب من البيت الابيض، وهو عدد كبير نسبيا، ولا يبدو ممكنا في الوقت الحالي، على الرغم من أن عنوان حشد التأييد الذي يشنه رومني هو دعوته زملاءه الشيوخ لاعلاء مصلحة البلد على مصلحة الحزب، وللاحتكام الى صوت الضمير والدفاع عن الدستور ضد رئيس يتجاوز كل القوانين والاعراف.
أما سبب تمسك غالبية الشيوخ الجمهوريين بترامب فيرتبط حصرا باستطلاعات الرأي، إذ إن شعبية ترامب في الولايات التي يمثلها هؤلاء المشرعون ما تزال عالية ومعارضة للاطاحة بالرئيس الأميركي، وهو ما يعني أن أي سناتور من هؤلاء ممن يصوتون على اخراج ترامب من البيت الابيض سيجدون أنفسهم عرضة لخسارة مقعدهم في الدورة الانتخابية المقبلة، ان العام المقبل او بعد ثلاثة اعوام.
وينتخب الأميركيون ثلث أعضاء مجلس الشيوخ كل سنتين لولاية طولها ست سنوات، وهو ما يعني ان موعد اعادة انتخاب بعض الشيوخ الجمهوريين هو في 2022، وان ترامب قد يكون خرج من البيت الابيض في انتخابات العام المقبل، ما يمنح تصويتهم ضده فترة زمنية طويلة تفصلهم عن حملتهم الانتخابية المقبلة. لكن فوز ترامب بولاية ثانية، في حال تصويتهم ضده، سيؤكد خروجهم من المجلس في الانتخابات بعد ثلاث سنوات من اليوم.
وتشكل استطلاعات الرأي المحرّك الاول لمواقف أعضاء الكونغرس، بغرفتيه، تجاه خلع ترامب، فالديموقراطيون يواجهون ضغطاً من ناخبيهم في دوائرهم الانتخابية لخلع الرئيس، فيما يعاني الجمهوريون من ضغط مماثل للتصويت ضد الاطاحة بترامب.
ومع تراكم الادلة الدامغة التي تثبت تجاوز ترامب لعدد من القوانين الأميركية بطلبه من اوكرانيا فتح تحقيق ضد احد منافسيه الديموقراطيين للرئاسة، نائب الرئيس السابق جو بايدن، شعر الديموقراطيون ان الفرصة سانحة للتحرك لخلع ترامب، بعدما دأبت زعيمة الديموقراطيين ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي على تأجيل البدء بعملية الخلع لخوفها ان لا غالبية شعبية تسانده، وهو ما يعرض حزبها لمخاطر خسارة الغالبية التي فازت بها العام الماضي، في حال المضي قدما بعملية خلع لا تلقى تأييدا شعبيا.
على أن الديموقراطيين يعتقدون ان كشف المزيد من الدلائل على تورط ترامب في عملية تجاوز قوانين، ثم محاولته عرقلة العدالة بالتعتيم على تجاوزاته، من شأنها ان ترفع من نسبة التأييد لخلع الرئيس. ويبدو ان الرهان الديموقراطي اثبت صحته، اذ اشار آخر استطلاعات الرأي الذي اجرته صحيفة «واشنطن بوست» ان نسبة تأييد الاطاحة بترامب ارتفعت من 37 في المئة مطلع يوليو، الى 58 في المئة الاسبوع الماضي. كما اظهر الاستطلاع ان نسبة مؤيدي الاطاحة بترامب بين الجمهوريين وصلت الى 20 في المئة، وهو ما يعني إن اعتبرنا ان خُمس الشيوخ الجمهوريين سينضمون الى الديموقراطيين للتصويت على خلع ترامب، فإن عدد اعضاء مجلس الشيوخ المؤيدين لاخراج ترامب من البيت الابيض سيرتفع 10 أو 11 سناتورا، وهو ما يعني ان اجمالي مؤيدي الخلع في مجلس الشيوخ سيبلغ 59 سناتورا، ما يعني ان اخراج ترامب سيحتاج الى ثمانية اعضاء اضافيين، وهو عدد من غير المرجح ان ينجح رومني وحده في حشده، بالاضافة الى العشرة الذين سينجح في اقناعهم.
وكشفت مصادر البيت الابيض ان ترامب صار يتحدث عن موافقة مجلس النواب على خلعه وكأنه أمر حاصل، بل وكأن الرئيس الأميركي يسعى لاستفزاز الديموقراطيين للتصويت على إدانته لاعتقاده ان التصويت سيحرج النواب الديموقراطيين ممن يمثلون دوائر انتخابية ذات غالبية جمهورية، وسيؤدي للاطاحة بهم في انتخابات العام المقبل، وربما قد يؤدي الى خسارة الحزب الديموقراطي الغالبية في الكونغرس وعودتها الى الجمهوريين.
الديموقرطيون، بدورهم، يعتقدون ان عملية الخلع، والتحقيقات التي ترافقها، والدلائل التي ستخرج الى العلن، من شأنها أن تؤدي الى المزيد من الارتفاع في نسب التأييد الشعبي للاطاحة بترامب، او على الأقل لخسارته انتخابات العام المقبل.
هي إذاً سلسلة من المراهنات من الجانبين على كيفية التغيير في مزاج الناخبين الأميركيين، وهي مراهنات يبدو انها تسير على عكس مصلحة ترامب، ولكن انقلاب الوضع لمصلحته وارد في أي لحظة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك