افتتحت كلية العلوم في جامعة القديس يوسف والمجموعة الأكاديمية للتنمية، مؤتمر "العلوم والتكنولوجيا في خدمة الإرث في شرق البحر المتوسط"، في قاعة بيار ابو خاطر، برعاية رئيس الجمهورية ميشال عون ممثلا بوزير العدل ألبرت سرحان، وفي حضور مسؤولين ومهتمين في حفظ التراث.
بعد النشيدين اللبناني والفرنسي، تحدث رئيس الجامعة البروفسور سليم دكاش اليسوعي فحذر من "ان تراثنا الطبيعي، المتمثل في البحر والحيوانات والنباتات والميراث التاريخي والفني والثقافي، مهدد بالانقراض لأسباب متعددة بسبب الإرادة الإجرامية للبشر".
اضاف: "لا أحتاج الى القول إن يد الإنسان في بلدي وخططه في بعض الأحيان لكسر الجبال ليست ضارة ومدمرة للمادة نفسها فحسب، بل للبيئة الإيكولوجية والبشرية التي المناطق المحيطة به، ويكفي زيارة منطقة لبنانية مثل عكار لإدراك كيف أن محيطا كاملا من الأرض يتكون من أشجار الأرز والعرعر والصنوبر من قمم يبلغ عمرها قرون، مهددة بالمرض والاختفاء بسبب المقالع العملاقة الذي تطحن الحجر القديم ويغرق منطقة بأكملها بمسحوق مميت".
واشار الى "شرور عنف الحرب والإرهاب على بعض الآثار التاريخية للإنسانية"، معتبرا ان "دور الجامعة يتمثل في نشر ثقافة الحفاظ على التراث على أساس علمي متين وتدريب الخبراء الذين تتمثل مهمتهم في دراسة الحلول الجيدة لصون التراث وتعزيزه وأهميته بالنسبة للانسانية".
وأعلن رئيس المجموعة الأكاديمية للتنمية فرانسوا غينو ان لدى المجموعة "مهمة تتمثل في حشد المعرفة من أجل التنمية، والتي تتطلب في الواقع الجمع بين المهارات العلمية والتكنولوجية المختلفة، وكذلك العلوم الإنسانية والاجتماعية".
وقال: "ان جميع بلدان البحر المتوسط والبلدان الإفريقية تعاني من عدم قدرتها على توفير فرص عمل كافية لشبابها لمساعدتهم في بناء مشاريع تستحق الحياة"، معتبرا ان "التدريب الذي يتلقونه، حتى بمستوى ممتاز، لا يؤدي في الغالب إلى شيء، باستثناء الإحباط، أو قرار المنفى إلى مكان آخر متخيل، أو إلى العنف. نعم، نحن نريد حشد المعرفة في خدمة التنمية البشرية، خصوصا التفكير فيها".
وأوضح ان "هذه الندوة تهدف إلى خلق حركة في شرق البحر الأبيض المتوسط وإلى دعوة جميع أصحاب المصلحة إلى المشاركة في حركة تنمية التراث هذه، والتي ينبغي أن تكون مصدر هذا التطور".
من جهته، اعتبر السفير الفرنسي برونو فوشيه ان "هذا المؤتمر هو بلا شك حدث سيكون علامة فارقة، لأنه سيسمح بالنظر في نموذج جديد للتعاون في مجال التراث". وقال: "تعد حماية التراث قضية سياسية رئيسية لتنمية مجتمعاتنا وبناء السلام. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، من الأهمية بمكان حماية جميع التراث الذي يتعرض لهجمات متكررة أكثر عنفا وتدميرا".
ولفتت السكرتيرة الدائمة الفخرية للأكاديمية الفرنسية للعلوم كاترين بريشينياك الى ان "التراث اللبناني مثل أي تراث غارق في التاريخ، هو هش"، موضحة ان "التطورات الحديثة في العلوم والتكنولوجيا تعمل على تغيير أساليب وممارسات البحوث المتعلقة بالتراث والحفاظ عليه".
واعتبرت ان "التحدي الذي يواجه هذا المؤتمر يتمثل في تحديد التدريب الذي سيتم تطويره والذي يمنح الشباب الأصول اللازمة للتعامل مع المهن الجديدة المتعلقة بالتراث مع الطموح لتعزيز تراث الأمس وخلق مهارات الغد بهدف تنمية متناغمة ودائمة".
وعرض عميد كلية العلوم في جامعة القديس يوسف ريشار مارون أهداف المؤتمر، ومنها "دمج التراث في السياسات العامة، خلق فرص عمل للشباب في ما يتعلق بالتنمية المستدامة، تنظيم دورات تدريبية إقليمية تتعلق بشكل أساسي بالتراث الثقافي والطبيعي، العمل على مكافحة الاتجار غير المشروع في الأعمال الفنية في منطقة البحر الأبيض المتوسط ، دعم الجهود المبذولة لتنمية سياحية تحترم القيود البيئية".
وقال: "سيتضمن الاجتماع اثنين من النقاط البارزة، قراءة إعلان باريس "التراث والعلوم والتكنولوجيا: فرصة لمجتمعاتنا والاقتصاد العالمي"، الذي تم الإعلان عنه في شباط 2019. والموائد المستديرة مع التركيز بشكل واضح على التدريب الأكاديمي".
والقى الوزير سرحان كلمة رئيس الجمهورية، قال فيها: "للحياة ذاكرة وبصمات على وجه الأرض، تروي لنا تاريخ الشعوب والحضارات، وتشعرنا بأننا جزء من مسيرة بشرية تحول الأحلام والمعتقدات والأحداث إلى آثار مادية عظيمة، يعبر بعضها القرون والزمن ليظل شاهدا لما مضى ولما لم يمض، ويجعلنا كبشر جسما واحدا، ينمو ويتحول بفعل تطور الفكر والعلم، لكنه يظل مرتبطا بكل التاريخ والإرث، ارتباط العضو بكامل الجسد".
اضاف: "يسرني، من على هذه المنصة، أن أشارككم اليوم افتتاح مؤتمر "العلوم والتكنولوجيا في خدمة الإرث في بلدان شرق البحر المتوسط"، ممثلا فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي كلَّفني بنقل تحياته إلى المنظمين والمشاركين، وتقديره لأهمية النقاشات والأوراق البحثية التي ستطرحونها، استكمالا للقاء العالمي لرث والعلوم والتكنولوجيا الذي عقد في شهر شباط الماضي في باريس".
وتابع: "تشعر أجيال اليوم باكتفائها بما وصلت اليه التكنولوجيا، وبانتماء كوني نتيجة حقبة العولمة الحادة التي دخلت فيها المجتمعات. قد يضعف ذلك تقديرها لأهمية الإرث الذي وصل إليها، ولحركة التاريخ وحفره عميقا في ذاكرة الجماعات والأفراد والأوطان. وكما أن البيولوجيا تحدد مساحة كبيرة من شخصيتنا، وشكلنا، وما نحن عليه، فكذلك يحدد التاريخ وما يخلفه من آثار، إرثنا وتراثنا وهويتنا وانتماءنا. وقد برهنت التجربة أن العولمة لم تنجح في إلغاء خصوصيات الدول والشعوب، لا بل زادت بعضها تقوقعا خوفا على هويتها وفرادتها في العالم".
واكد "ان واجبنا كمسؤولين، يتخطى اليوم الاهتمام بالحاجات الراهنة للمواطنين، وتأمين فرص العمل لهم، وحماية حقوقهم المادية والمعنوية والصحية، ليصل إلى حدود الالتزام بالحفاظ على مستقبل الإنسان والأرض التي يعيش عليها، عبر الحفاظ على بيئة هذه الأرض بالدرجة الأولى، والإرث البشري والطبيعي الموجود عليها".
وقال: "علينا أولا أن نعتمد خيار التوعية الشاملة على أهمية الإرث، بدءا من مرحلة الدراسة عبورا بجهود مؤسسات القطاع العام والمجتمع المدني، وبالطبع عبر وسائل الإعلام بشقيها التقليدي والحديث. لكن الواجب يفرض علينا أولا، الحفاظ على الإرث، وتجنيبه أخطار الحروب، والنهب، والتدمير، والتهريب، لأن بصمات التاريخ والشعوب التي تمحى عن وجه الأرض لا يمكن استرجاعها او استبدالها، فيكون تدميرها أو تشويهها، خسارة لا تعوض. ولتحقيق هذا الواجب، ليس هناك إلا مسار واحد، وهو سن قوانين عالمية صارمة في هذا الخصوص، وتوحيد جهود جميع الدول لتحقيق هذا الهدف، عبر تعاون منفتح وشفاف على هذا المستوى".
ورأى "ان دراسة آثار الشعوب وتاريخها، لا يخدم الماضي بقدر ما يغني الحاضر، ويرسم صورة التنوع الهائل للحضارات، الذي هو في أساس التطور والابتكار. من هنا، سيدرس مؤتمركم الرفيع هذا ولا شك، سبل دعم الأبحاث العلمية المتخصصة في مجال الآثار والحفاظ على الإرث الطبيعي والآثار. وأتمنى من جهتي، أن يكون وطني لبنان، بما يحمله تاريخه من تقاطع لحضارات كثيرة على أرضه، في طليعة الدول التي تعطي أهمية فائقة للتوعية حول أهمية الإرث، وغناه، وتنوعه، وللمشاركة في الجهد العالمي للحفاظ عليه، خصوصا وأن منظمة اليونيسكو قد حددت الكثير من البقع الجغرافية اللبنانية والآثار، كمواقع تراثية عالمية لا يجوز المساس بها، أو تشويهها".
وقال: "يرحل السلاطين والملوك والرؤساء عن هذه الأرض، وتتغير السياسات والعلاقات بين الدول، وتبقى الطبيعة والآثار شاهدة على آثار الحضارات والنمو البشري. علينا أن نعيد للتاريخ دوره في صناعة الحاضر، ولإرث الشعوب وهجها وتأثيرها في صياغة الجذور والهوية".
وختم: "تمنياتي للحاضرين والمحاضرين كل التوفيق في مؤتمركم الكريم، واعرفوا دائما أن لبنان الغني بإرثه وتراثه وانفتاحه، يرحب دائما على أرضه بمواكبة حركة التطور والرقي التي يمثل لقاؤنا اليوم جزءا منها".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك