كلّما اجتمع أهل السلطة على طاولة واحدة، كلّما أثبتوا للشعب اللبناني أنّهم يعيشون على «كوكبٍ آخر» غير آبهين بمعاناة مَن أعطوهم الوكالة لتمثيلهم. ولا يحتاج الأمر إلى شهود، يكفي مراجعة محضر جلسة مجلس الوزراء أمس ليثبُت بـ«الوجه الشرعي» أنّ خطاب السلطة لا يشبه خطاب الشارع المُنشغل بالأزمة الاقتصاديّة. فيما غالبيّة أهل السلطة منشغلون بكيفيّة إسكات الإعلام وإنزال أشدّ العقوبات بـ«المجرمين» الذين يتحدّثون عن الانهيار الاقتصادي، مُتناسين أنّ مَن تسبّب بذلك «مِنّن وفيهم». وبدلاً من حديث الوزراء عن نماذج دوَل خرجت من أزماتها، كان «ملاك» المغنيّة الأميركيّة مادونا حاضراً على الطاولة، حيث استحضرها رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أشار إلى أنّها قاضت إحدى الصحف البريطانيّة بتعويض مادي يبلغ 100 مليون دولار ما أدى إلى إقفالها، ليجيب وزير الصّناعة وائل أبو فاعور: «يا ريت هالدولة بتسوى (تعويض) مادونا».
هكذا، وبينما تترنّح البلاد تحت ضغط الأزمة الاقتصاديّة، خَصّص الوزراء أكثر من ثلاث أرباع وقت الجلسة للنقاش في إمكانية محاكمة الصحافيين وتعديل قانون المطبوعات! ولـ«الحفاظ على ماء الوجه»، مَرّ هؤلاء مرور الكرام على الوضع الاقتصادي. خلال هذا الوقت المُستقطع، رَدّد بعضهم، وبينهم الحريري ووزير المال علي حسن خليل، أنّ «علينا أن لا نجلد أنفسنا، فنحن لم نفشل بعد».
يهوّن هؤلاء على أنفسهم أنّ قطار الوقت لم يَفتهم بعد. وأكثر من ذلك، ينوّهون أمام بعضهم بعضاً بعملهم في اجتماعات «لجنة الإصلاحات الوزاريّة»، على قاعدة «نِيّال اللي بيبوس إيد حالو».
في المقلب الآخر، كان وزير الاتصالات محمّد شقير في «كوكب ثالث». هو ليس مع السلطة في اهتماماتها الآنيّة بقمع الحريّات ولا مع الشعب في الحفاظ على لقمة عيشه، بل وجد فرصة للكلام بين المجتمعين ليردّ على «لجنة الاتصالات النيابيّة» التي لا يحضر اجتماعاتها وتهاجم فريقه السياسي، مُطالباً مجلس الوزراء بـ«مَد يَد العون» لإيقاف اجتماعات اللجنة، التي وصفها بـ«المسرحيّة».
وأشار شقير إلى أنّ «عمر هذه اللجنة 3 أشهر، وصارت تستدعي العاملين في شركتي «إم تي سي» و«ألفا» لتوجّه اليهم الإهانات و«تُبَهدلهم» وتدخل معهم في تفاصيل، كموضوع التردّدات، وهو أساساً لا يدخل ضمن صلاحيتها، وذلك بدلاً من تحسين أوضاع المؤسسات»، متسائلاً: «هل انّ هاتين المؤسستين تجنيان المال الذي تجنيه المؤسسات في البلدان الأخرى، والذي لا يعد بالمليارات، كـ«أوراسكوم للاتصلات» مثلاً؟».
وهذا ما استدعى من رئيس الجمهوريّة ميشال عون رداً أكّد فيه أنّ «هذا الموضوع ليس من صلاحيّات مجلس الوزراء، خصوصاً أنّ لدى مجلس النوّاب حصانة ونحن لا نستطيع الضغط عليه».
سريعاً، كانت لوزير المال علي حسن خليل إجابة، قال: «أخذونا على موضوع تاني، فلنعد إلى الحديث عن وجود حملة ضد الدولة».
عون: أنا نادم
في المحصّلة، كان ظاهراً الاختلاف في وجهات النظر في النقاشات بين فريق سياسي يريد مُقاضاة الإعلام وكلّ من يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي، وبين فريق آخر يرفض الذهاب إلى سياسة كَمّ الأفواه وقمع الحريّات. فيما لخّصت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإداريّة مي شدياق الوضع، بمقولة للأخوين الرحباني في إحدى مسرحيّاتهم: «ما في حْبوس تساع كلّ الناس».
وكان عون على رأس الفريق الأوّل، فهو من طرح الموضوع على النقاش في كلمته الافتتاحيّة. إسترجع «فخامته» كلامه في منفاه الباريسي، ليعبّر اليوم عن ندمه من «الكلام الجارح الذي كان يقوله آنذاك».
بالنسبة الى عون، فإنّ حق التظاهر السلمي مسموح، ولكن الإهانات والشتائم ممنوعة، مُبدياً استياءَه من الشتائم المشينة التي وجّهت اليه والى السلطة عموماً، ومشدّداً على أنّه «لا يمكن السكوت عن مروّجي الشائعات، فأنا يهمّني الاستقرار الأمني كما النقدي والاقتصادي». وأضاف: «لا لضرب الليرة، ولو أنّ هناك بعض الأشياء المقتنعين فيها ويجب أن لا نقولها علناً لكي لا نضرب معنويات اللبنانيين».
ما يريده عون هو أن يُميّز القضاء بين القضايا التي يجب إحالتها إلى القضاء الجزائي، وبين ما يُحال إلى محكمة المطبوعات، داعياً إلى تقديم مشروع قانون يُطاول الذين يشتمون السلطة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومشروع قانون ينظّم الإعلام المرئي والمسموع.
وغَمز عون من قناة القوى الأمنيّة، ليشير إلى أنّها لم تقم بواجباتها الكاملة الاحد الماضي، مشيراً إلى «وجود خلايا تعمل سراً»، خصوصاً أنّ هذه التظاهرات غير بريئة، مطالباً وزيرة الداخلية والبلديات ريّا الحسن بتزويده تقريراً مفصّلاً عمّا حصل الأحد الفائت، في اعتبار أنّه لم يتلقَّ أي شيء من القوى الأمنيّة، ولا حتّى مصدر من يحرّك المحتجّين في الشارع.
وتوجّه عون إلى رئيس الحكومة، مطالباً إيّاه وفريقه السياسي بالدفاع عن الحُكم، لأنّه «إذا سقطت السلطة الإجرائيّة فشلت السلطة بأكملها»، وقال: «أنت تقوم بواجباتك ونحن لم نفعل أي شيء ضدّك ولا نعتدي على رئاسة الحكومة وصلاحيّاتها، بل على العكس نتفق مثلاً على جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء، سواء عقدت هنا (في القصر الجمهوري) أو في السراي الحكومي».
ورأى عون أنّ الاجتماعات المعنيّة بمناقشة الموازنة غير مكتملة، وشدد على ضرورة التعامل بالعملة الوطنيّة، مذكّراً بالمادة 192 التي تُعاقب من يمتنع عن ذلك.
أمّا الحريري فبَدا من أكثر الرافضين سياسة قمع الحريّات عبر معاقبة الصحافيين بالسجن، داعياً إلى رفع سقف العقوبات الماديّة «حتى يتحمّل الذين يتحدّثون المسؤوليّة عن كلامهم، وفي الوقت عينه فإنّ هذه العقوبات تدرّ الأرباح على خزينة الدولة».
وتحدّث الحريري عن «الإيجابيّات» الحاصلة في جلسات «لجنة الإصلاحات» الوزاريّة، في اعتبار أنّ هناك كثيراً من النقاط المشتركة في الأوراق التي قدّمها الأفرقاء السياسيون يمكن الارتكاز عليها، لافتاً إلى ضرورة أن تترافَق هذه الإصلاحات مع إقرار بنود الموازنة في مجلس النواب.
وشدّد الحريري على أنّه لم يدعو إلى الخصخصة، «بل أنا مع مشاركة القطاع العام والخاص»، لافتاً الى «المعارضة الشرسة» التي يقودها المجتمع المدني، وداعياً إلى عدم الخوف إلّا من الفشل «ونحن لم نفشل بعد».
فيما بَدا وزير الخارجيّة جبران باسيل غير مرحّب بفكرة الحريري، رافضاً دعوات البعض إلى استقالة رئيس الجمهوريّة، قائلاً: «هو حر في أن يفعل ما يريد. وهناك بعض الأشخاص الذين يعبّرون عن رأيهم فيما البعض الآخر مُبرمجين». وأضاف: «صحيح أنّنا ملتزمون الوقت في شأن الموازنة، ولكن المهم النتيجة. ونحن نحتاج إلى إصلاحات حقيقية، ولكننا لا نراها فعلياً».
وردّ وزير الإعلام جمال الجرّاح، فأشار إلى أنّ «المشكلة في القانون الذي لا يُميِّز بين ما هو إعلامي وما هو غير إعلامي»، بالإضافة إلى «عدم التزام الصحافيين أصول المهنة».
وبَدت وزيرة الداخلية منزعجة مما قاله عون حول عدم تحمّل القوى الأمنية مسؤولياتها، لتردّ ببرودة متسائلة عن «المعايير التي تحدّد كيف يمكن ملاحقة الذين يكتبون؟»، مضيفة: «حدّدوا معايير لكل ما هو نقد ومعارضة سياسية من جهة، وما هو تجريح وإساءة من جهة ثانية».
بدورها، توجّهت شدياق إلى عون، قائلة: «نحن ضدّ الإهانات التي وجِّهت، ولكن في الوقت نفسه يجب أن لّا يُسجَّل في عهدك أنّك تقمع الحريّات»، معتبرة «أنّ القوانين ضرورية لحماية الصحافيين وليس لمعاقبتهم»، ولافتة إلى «أنّ الكلام عن الحد من حريّة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، يعني أن نكون مثل البلدان المجاورة التي تراقب الانترنت، وهذا ما يَشكو منه المجتمع الدولي».
وإذ أكّد وزير الشؤون الاجتماعيّة ريشار قيومجيان «حرصنا على هيبة الرئاسة وفي الوقت نفسه على حريّة الإعلام»، دعا الوزير محمّد فنيش الى تطبيق القوانين، منتقداً الفلتان الحاصل على مواقع التواصل، وداعياً إلى «وضع ضوابط مقرونة بالتمسك بحريّة التعبير التي صانها الدستور».
وشدّد وزير المال على وجود «حملة غير مسبوقة على الدولة، ممّا يستدعي إعلان حالة طوارئ ولكن ليس على الإعلام»، رافضاً «حملات الشتم ولمَن يقول إن الأمر لا يعنيني، في اعتبار أنّ الاستقرار النقدي يعنينا جميعاً، واختصار الرأي برأي واحد أيضاً غير مقبول».
ولفت الى أنّ «النقاش في هذه الموازنة لا يزال ضمن المهلة، وعلينا أن لا نجلد أنفسنا إلّا في حال واحدة وهي عدم الوصول إلى النتيجة المرجوّة».
وفي المقابل، فإنّ أبو فاعور، الذي استنكَر التعرّض لرئيس الجمهوريّة، دعا إلى التعاطي بهدوء «لكي لا نُتّهم بالمَس بالحريّات»، رافضاً تعديل قانون المطبوعات «في الوقت الحالي»، ومضيفاً: «هناك قوى تعمل على تخريب البلد، ولكن يجب أن لا نضغط على القوى الأمنيّة».
وبحسب معلومات «الجمهورية»عندما وصل النقاش الى البند 31، وهو الموافقة على مشروع إنشاء المنظمة الدولية للرياضة والسياحة من أجل السلام والازدهار، اعترضَ عليه وزراء «حزب الله».
وحصل نقاش مُستفيض في البند المتعلّق بمشاركة الوزراء في مؤتمرات والسفر الى الخارج، وكان لافتاً انتقاد الوزير محمود قماطي الوفود الكبيرة التي ترافق الوزراء في سفرهم، وتُكلّف الخزينة مبالغ باهظة. فتم الاتفاق على إرسال طلبات السفر إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، التي تحيلها إلى وزارة الخارجية للموافقة عليها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك