لم تمر الاحتجاجات الشعبية، الأحد الماضي، على خير لدى قصر الرئاسة في بعبدا، إذ استوجبت إصدار تعميم بإحالة «من يسيء إلى سمعة الدولة المالية» إلى التحقيق، مشيرة إلى أن لديها معلومات عن الأسماء والمواقع لمن قام بنشر الشائعات ودس الدسائس في الشارع، معززة بذلك «نظرية المؤامرة على العهد والتيار الوطني الحر» المتمثل بـ11 وزيراً في الحكومة.
وتحدثت مصادر «التيار» عن «متآمرين معروفين يروجون الإشاعات ويفبركون الأخبار عن انهيار البلد والزيارة الرئاسية الباهظة التكاليف ويعرقلون عمل الحكومة ومشاريعها وانطلاق مسيرة الإصلاح».
في المقابل، سادت موجة استغراب، إن لتعميم رئاسة الجمهورية أو لاعتبار دوائر القصر ومصادر «التيار الوطني الحر»، أن «الأزمة مفتعلة والوضع الاقتصادي ليس بالسوء الذي يروج له أصحاب الأجندات الخاصة»، في حين تشير الوقائع إلى عكس ذلك. كذلك اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات تصنف «التهديد بإحالة من ينتقد الوضع الاقتصادي إلى القضاء بالقمع الذي لا يعتمد إلا في الدول البوليسية الطابع. ويخالف حرية التعبير ويرفض الرأي الآخر ويهدد الحريات في لبنان».
ويقول المحامي والخبير في القانون الدستوري والحريات العامة ربيع الشاعر لـ«الشرق الأوسط» بأن «التعميم الصادر عن دوائر رئاسة الجمهورية يمكن اعتباره تصريحاً أو بلاغاً أو إخباراً. فقانون العقوبات يتناول الجرائم التي تنال من مكانة الدولة المالية في المادة ٣١٩ معطوفة على المادة ٢٠٩ والمادة ٣٢٠. وتنص هذه المواد على معاقبة من ينال من مكانة الدولة المالية عبر إذاعة وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق النقد أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها أو من يحض الجمهور على سحب الأموال المودعة في المصارف والصناديق العامة أو على بيع سندات الدولة وغيرها من السندات العامة أو على الإمساك عن شرائها. هنا تخضع المسألة لتقدير القاضي لجهة توفر عنصر إثبات النية الجرمية».
ويضيف الشاعر: «تستطيع مصادر القصر أن تعمم، لكن الملاحقة تتم من جانب النيابات العامة، التي يمكن أن تطلب من قوى الأمن الداخلي رصد كل ما يتعلق بالقضية. ومن ثم تدَّعي على من تعتبرهم مرتكبين وتحيلهم إلى المحاكم المختصة. بالتالي تنظر المحاكم بكل حالة على حدة. وبطبيعة الحال النيابات العامة اليوم أمام تحدٍ جدي، فإما أن تتشدد في الملاحقة وتقوم بردع المواطنين عن نشر أي معلومة، وإما أن تعتبر أن ما ينشر لا تنطبق عليه المواد المتعلقة بمكانة الدولة المالية فلا تتشدد».
ويضيف: «لكون الأوضاع المالية حساسة في هذه المرحلة، بتقديري أن هناك انتفاضة من مكونات السلطة ضد أي توجه لزعزعة الاستقرار المالي، وسيتم الإيعاز للتشدد في تطبيق القانون وعلى القضاء تحمل مسؤوليته. فإذا كانت هناك حملة تستهدف الاقتصاد يجب الاقتصاص منها. أما إذا كان الهدف قمع الحريات ومنع أي كان من التحليل ونقل الوقائع المتعلقة بالوضع المالي من دون أي هدف جرمي، فتلك مسألة مختلفة، وتبيان الأمر يعتمد على خيط رفيع، ولا يحسد القضاء في كلا الاتجاهين».
لكن الناشط وليد فخر الدين يقول لـ«الشرق الأوسط» بأن «تعميمات القصر الجمهوري تتجاوز، في الشكل، صلاحياته. فهو ليس ضابطة عدلية أو جهة قضائية. وهي تشكل خرقاً فاضحاً للدستور اللبناني. أما في المضمون، فالتعميمات التي صدرت تتناول الإساءة وضرب المكانة الاقتصادية اللبنانية، لكنها تتعرض لحرية التعبير والحقوق الإنسانية المكفولة في مقدمة الدستور. والأخطر أنها تصدر عن مقر من أقسم على حماية الدستور. وهذا الأمر يستوجب رداً من القضاء ومجلس الوزراء والمجلس النيابي».
ويضيف أن «محاولة قمع الحريات نهج موجود، لكن تحويل لبنان دولة بوليسية غير ممكن من خلال التجارب بسبب التعددية السياسية. حاول قبل ذلك الاحتلال السوري ولم ينجح. والعهد الذي يحاول ضرب الحريات العامة يسيء إلى مكانة لبنان وموقعه، بالدرجة الأولى. وهو يهدف إلى إخفاء الفشل السياسي والاقتصادي ومزاعم الإصلاح التي يدعيها العهد».
واعتبر أن «مشكلة لبنان الاقتصادية قائمة. وتقارير المؤسسات الدولية المختصة تصنفها تصنيفاً سيئاً وتحذر من تداعياتها. لذا يبدو غريباً اعتبار دوائر القصر الجمهوري أي كلام في هذا الموضوع إن على لسان صحافيين أو مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي جريمة تستحق عقوبة. واللافت أن هناك إنكارا مَرَضيا للأزمة الاقتصادية. كأن تعتبر مفتعلة وتقتصر على فترة زمنية محددة خلال مشاركة رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الأمن في نيويورك، وكأن هناك من فبرك هذه الأزمة في غيابه، ولم تكن موجودة من قبل، في حين أن الواقع يؤشر إلى أزمة نقد. والإنكار لا يقتصر على طرف بعينه، ليشمل المسؤولين إن في سدة الرئاسة أو في مجلس الوزراء، الذين لم يجتمعوا ويبحثوا كيفية إعلام اللبنانيين بحقيقة ما يجري».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك