كان الرئيس المكلف سعد الحريري واضحا وصريحا في اعقاب اللقاء أمس الاول مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في التمسك بكل التفاهمات التي سبقت انتخاب الاخير رئيسا للجمهورية، بعد ان جمع بين نتائجها والإستقرار الإقتصادي والأمني، سواء تلك التي عقدت في معراب او في كليمنصو كما في بيت الوسط بعد الضاحية. فلماذا يصر الحريري على تبنيها جميعها؟
يعتقد مرجع سياسي كبير يواكب المساعي الجارية لتشكيل الحكومة العتيدة عبر "المركزية" ان المهمة التي كلف بها الحريري ليست سهلة. فمسلسل الضربات التي اصابت التسويات السياسية التي عقدها العماد ميشال عون قبل دخوله قصر بعبدا أربكت الحكم في المرحلة السابقة، فلا يتجاهل احد ان العهد قطع ثلثه الأول متسلحا بمجموعة التفاهمات التي عقدت في الأسابيع التي سبقت عملية الإنتخاب. فمنذ انتخاب عون رئيسا للجمهورية في 31 تشرين الأول العام 2016 صُمّت آذان اللبنانيين بالحديث عن التفاهمات الي انتجت هذا الخيار الذي قلب التطورات رأسا على عقب، بعدما كان اعتُبر من سابع المستحيلات. كثيرون من يعتقدون ان رئيس الجمهورية كبّل ولايته بهذه التفاهمات بما انتهت اليه من تقاسم للسلطة والمحاصصة تلزمه طيلة سنوات العهد الست.
الا ان تضارب هذه الاتفاقات، والذي ظهر في أكثر من مناسبة، حكوميا في شكل خاص، بدأ يصدّعها تباعا. فقد اصيبت التفاهمات جميعها بكثير من الضربات الموجعة، واهتزت دون ان تقع، باستثناء تلك التي عقدت بين الرابية وكليمنصو. لكن على وقع دخول الرئيس المكلف مهلة الشهر الثاني على تكليفه تشكيل الحكومة، بدا ان التسويتين الأبرز بين بعبدا والسراي وبين الاولى ومعراب، كادتا تقعان نهائيا، ما طرح اسئلة عدة ابرزها:
-هل صحيح ان الفراق وقع بين الحريري وعون وان هناك من هو مستعد لتولي مهمة التشكيل بدلا من الحريري؟ ومن هو هذا "الإنتحاري" الذي لا يحظى بالتوافق الدولي الذي يظلل حركة الحريري؟
- وما هو "التفاهم السياسي" بين القوات والتيار الذي نعاه رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل؟ وهل هو "تفاهم معراب" الرئيس ام ان هناك تفاهما آخر اصغر منه حكم آلية العمل في عهد الحكومة السابقة؟
عند البحث عن اجوبة على هذين السؤالين، يجدر التوقف عند ما جاء في "البيان الكبير"، وفق المرجع، الذي اصدره المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري والذي اعطى بشكل من الأشكال جوابا، وهو ما دفع الحريري الى التحرك على عجل باتجاه معراب وبعبدا، فالتقى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في بيت الوسط، وقصد الرئيس عون، من اجل حماية التفاهمات جميعها، اذ تلمّس مخاطر الخروج عنها دفعة واحدة، على الستاتيكو المحلي والوضعين الاقتصادي والأمني، وعلى المساعدات الدولية المنتظرة للبنان.
وبحسب المرجع، هناك من يعتقد صادقا ان التفاهمات التي ابرمت وتحديدا بين الرابية ومعراب وبيت الوسط هي واحدة منذ قيامها، ورعاتها الإقليميون والخليجيون هم انفسهم. فوجد كل من الحريري وجعجع نفسيهما في مواجهة مباشرة مع سيد العهد، وما عليهما سوى العمل من اجل حماية هذه التفاهمات وإحياء ما يمكن احياؤه منها ضمانا لمصالح الجميع. وهو ما سيجري تفعيله في الأسابيع المقبلة، فحجم الخلافات كبير ولا تكفي ايام للترميم ولذلك علينا الإنتظار ولو لبعض الوقت من اجل ان نرى مشروع تشكيلة حكومية جديدة لم تظهر تركيبتها بعد. فليس من السهل على اي جهة داخلية التلاعب بالتفاهمات التي كونت "الصفقة الرئاسية" ساعة تشاء وبالطريقة التي تراها. "فالزمن الصعب" لا يسمح باي إنقلاب، ثمنه اكبر بكثير من قدرات اي كان على القيام به وتحمل تبعاته.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك