"ذابَ الثلج وبانَ المرج" عندما انتهت مهلة تركيب اللوائح الإنتخابية واختيرت أسماؤها وألوانها. وفي المقابل سقطت معظم الشعارات التي نادت بالديموقراطية وعدالة التمثيل بنسبية مشوّهة. وسقطت الأقنعة على عتبات الحاصل الإنتخابي الوهمي والصوت التفضيلي الغدّار. وانتهت الإنقلابات بسقوط 324 ضحية من المرشحين لم تتسِع لهم اللوائح الـ 77 التي انتهت إليها المهل الإنتخابية. فمن هم هؤلاء الضحايا؟ ولماذا سقطوا؟
في القراءة السطحية للوائح الـ77 التي انتهت اليها كل المهل التمهيدية استعداداً للإنتخابات في 6 ايار، يمكن التوقّف عند كثير من الملاحظات. ففي تشريحها شكلاً ومضموناً وفي ظروف تشكيلها يُقال الكثير، وتفيض الملاحظات عند البحث في ما رافقها من مفاوضات وإغراءات وصفقات وانقلابات وتهديدات انتهت الى صورة شَوّهت كل الأوصاف التقنية والنظرية والسوريالية التي أغدقت على القانون الجديد وفضائله.
ففي الشكل، سقطت كل المحظورات للوصول الى تركيب ما يمكن تسميته بالفعل "قوائم" انتخابية لا "لوائح" بعدما جمعت "الأعدقاء". وتمّ الدمج بين اليمين واليسار التقليديين، وما بين 8 و14 آذار وما بينهما من 11 آذار، وما بين أنصار سوريا وايران ومعارضيهم وما بين خصوم الأمس وأصدقاء اليوم.
ثمّة من يعتقد، انّ بعضاً من هذه الصور لمَن تعاقدوا على خوض المعركة الإنتخابية بلائحة موحدة، قد لا يلتقون مرة أخرى في الفترة الفاصلة عن 6 أيار وربما بعدها، بعدما جمعتهم اللحظة الإجبارية مُكرهين لملء بعض اللوحات الإعلانية المحجوزة مسبقاً بلا هوية سياسية وانتخابية في انتظار ان يقرّر من حجزها ودفع كلفتها سلفاً لمَن ستكون هذه اللوحة من "رفاق الدرب" أو الخصوم على السواء.
ويروي العارفون انّ مموّل احدى اللوائح حجب معظم اللوحات الإعلانية المحجوزة باسمه موجودة في مواقع استراتيجية عن اللائحة الكاملة. وهو ممّن انضمّ اليها في اللحظات الأخيرة التي واكبت ولادتها القيصرية، ورفع فيها صورته وشعاراته الشخصية بما حملته من تناقضات مع شعارات "رفاق الأيام الأربعين" المقبلة. فتحولت في مضمونها إشعاراً مسبقاً ومظهراً من مظاهر التحدي القائم والنزاع ما بين أبناء اللائحة الواحدة على "الصوت التفضيلي" قبل الخصوم والمنافسين.
ويضيف العارفون في كواليس الحملات الإعلانية انّ اللوحات، التي حجزها أحد المرشحين قبل انسحابه من المعركة، طلبَ استرداد كلفتها مضاعفة. ولمّا لم يستجب اصحاب الشركة أبلغ الى منافسي اللائحة التي ابعدته أنه سيقدّمها لهم خدمة مجانية قبل ان تتحوّل كلفتها مادة في اسواق المزاد الإعلاني والسياسي بين خصومه، فجَنى أرباحاً مضاعفة لقاء التنازل عنها بلا استئذان الشركة التي تستثمرها.
وقبل الدخول في كثير ممّا هو متداول من روايات واتهامات بالغدر والخيانة والقرصنة، يبدو من الضروري التوقف امام مجموعة الضحايا الذين سقطوا بـ"التقسيط" وعلى مراحل. عند إقفال باب الترشيحات ليل 6-7 آذار اولاً، وعند موعد العودة عنها ليل 21-22 منه والذي تجاوزه المئات منهم من دون إعطائه اي أهمية سياسية او ادارية او انتخابية، الى أن رفضتهم اللوائح الـ77 عندما لم تتوافر لهم مقاعد عليها وصولاً الى ليل 26-27 آذار تاريخ تسجيل اللوائح الإنتخابية التي ستخوض السباق الى ساحة النجمة في 6 أيار المقبل.
ففي المرحلة الأولى سقط 23 مرشحاً رفضت طلباتهم عند إقفال باب الترشيحات لأكثر من عيب قانوني واداري، واستقر الرقم النهائي على 976 مرشحاً. وعند موعد سحب الترشيحات انخفص الرقم الى 917 مرشحاً فقط بسقوط 59 مرشحاً. الى أن كانت الدفعة المئوية الأخيرة منهم والتي بلغت فجر 27 آذار 324 مرشحاً "رَذلتهم" "القوائم" واللوائح فسقطوا دفعة واحدة لمجرد عدم القدرة على الإنتظام فيها رغم بلوغها الـ 77 والتي استوعبت 593 مرشحاً.
ومردّ ذلك قانوناً، الى ما قالت به المادة 93 من قانون الانتخاب التي رهنت استمرار الحق في الترشّح بالإنضمام الى لائحة تضم كل عدد المقاعد في الدائرة الإنتخابية في حدها الأقصى، وبما نسبته 40% منهم في حدها الأدنى. مع العلم انّ المصادفة اعادت بعض المرشحين المنسحبين الى الضوء بعدما "فَرطت" بعض التحالفات في أكثر من دائرة وعملاً بقاعدة "تبادل المقالب" وتجميع "بقايا" الترشيحات من التحالفات التي سبقت زميلاتها في موعد صدورها.
جدير ذكره انّ 49 نائباً من نواب مجلس العام 2009 لم يترشحوا الى الانتخابات الحالية في محطات متلاحقة، إمّا بقرار ذاتي، أو بقرار من قياداتهم السياسية والحزبية ويضاف اليهم 3 شغرت مواقعهم في المجلس المُدبِر على الرحيل، بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وشغور مقعد المرحوم بدر ونوس بالوفاة، ومقعد روبير فاضل بالإستقالة.
وبناء على ما تقدّم، فلن تنتهي الجردة اليوم بالخائبين والخاسرين الذي لن يصلوا الى المجلس من الآن، فالانتخابات المقبلة ستنهي أحلام 465 آخرين ممّن يخوضون السباق الى ساحة النجمة، من بينهم ما بين 19 و22 من النواب الحاليين المرشحين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك