في قرارة نفسه، يدرك سعد الحريري أنّه لا يملك شيكا على بياض من المملكة. عدم الممانعة صيغة حمالة أوجه، لا تعفيه من الوقوع في شرك تبني ترشيح ميشال عون اذا فعلها، وفي الوقت نفسه، يستطيع أن يجيّر "الفرصة" الى السعودية، اذا أبصرت النور وأثبتت نجاحها وصمودها، وهو أمر لا يستطيع أحد الجزم به.
ويدرك الحريري أنّ "حزب الله"، قوة الدعم الأساسية لـ "الجنرال"، غير متحمس بالأساس لعودته الى السرايا الحكومية، ولم يرفع "الفيتو" عنه إلا من باب تمهيد الطريق أمام انتخاب حليفه رئيساً للجمهورية. يعني ذلك، أن طريق عودة زعيم "المستقبل" لن تكون مزروعة بالورود حتى لو سُمي رئيساً للحكومة، كما أن مشوار الانتخابات النيابية لن يكون سهلاً كما يريد، واذا ما سمحت الفرصة لخصومه بتحجيمه، فلن يقفوا مكتوفي الأيدي.
يعرف الحريري أن هذه التحديات في انتظاره، لكن خياراته باتت محدودة إن لم نقل معدومة، ولا مفر أمامه سوى تبني "الجنرال".
المحيطون برئيس "تيار المستقبل" يجزمون بأنه لا يناور ولا يفتش عن خيارات أخرى لأنه مقتنع بأنّ المسار الوحيد الباقي أمامه لإنقاذ نفسه من سلسلة أزماته المترابطة، هو بإنهاء الشغور في الرئاسة الأولى، ولا يبدو ذلك متاحاً إلا بواسطة "المفتاح البرتقالي".
هكذا، يؤكدون أنّ الوقت الذي طلبه الحريري لمعالجة المسائل العالقة، وأبرزها الموقف السعودي، "ليس هروباً الى الأمام كما يقول بعض المشككين ولا هو من باب المناورة، لأنّ خياره محسوم ولا جدال حوله حتى لو كان متيقناً من أنّ عقبات كثيرة ما زالت تحول دون انتقال سيناريو ترشيح "الجنرال" من النظري الى العملي".
ووفق الخطة المتفق عليها، يفترض أن يحمل سعد الحريري في حقيبة الإياب ما يحسم الجدل حول خياره. عندها يتسلح "جنرال الرابية" بالموقف العلني لزعيم "تيار المستقبل" ويشغل محركاته في اتجاه عين التينة وباقي "الجبهات".
في الوقت نفسه، لا أحد يمتلك تصورا للشكل الذي سيعتمده الحريري. بيان يصدر عن "كتلة المستقبل". يعقد مؤتمرا صحافيا. إطلالة تلفزيونية يتلو خلالها فعل "التبني". بيان مقتضب عن "بيت الوسط". لا يزال البحث مستمرا، وفق أحد نواب "المستقبل"، عن صيغة مناسبة أو ما يمكن تسميته "الإخراج اللائق الذي يفترض أن يقطع الشك باليقين"، وبالتالي، يضيف سعد الحريري رسمياً الى قافلة مؤيدي ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
لا يتناقض ذلك مع استمرار الاستعدادات في الرابية لـ "استعراض" الأحد المقبل أمام قصر بعبدا. صار محسوماً من وجهة نظر "التيار الوطني الحر" أنّ الحريري لن يكون بمقدوره أن يروي ظمأ "الجنرال" قبل نهاية الأسبوع الحالي، بإسماعه الجملة الذهبية أو السحرية المنتظرة منذ أسابيع، علما أنه راجت في ساعات نهار أمس معلومات عن احتمال قيام الحريري بـ "المطلوب منه" في غضون ساعات قليلة!
يجري التعامل مع تجمع السادس عشر من تشرين، بوصفه غير احتفالي لأنّ السمك لا يزال في البحر. ولكن خيار التصعيد أو بالأحرى قطع شعرة معاوية ليس وارداً، ما دام الحريري لا يزال على التزامه المبدئي، ولا حاجة سوى لانتظار الفرج الآتي حتما!
هكذا، لا تزال جلسة 31 تشرين الأول قابلة للمفاجآت، إلا اذا نجح أركان جبهة الاعتراض في مهمتهم. حتى الآن، لم يرفعوا أيديهم استسلاماً، مع أنّ وليد جنبلاط تقصّد، أمس، تذكير الفريق البرتقالي بأنه لن يقف حاجزاً أمام هذا الخيار اذا ما بلغ خواتيمه بسلام، لافتاً الى أنه "آن الأوان للخروج من الجدال البيزنطي حول الرئاسة وانتخاب أي يكن دون قيد أو شرط".
ولكن لهؤلاء أسئلة جوهرية قد تفرض الكثير من الحسابات: من سيقبل بتفاهمات عسكرية ومالية توصّل اليها العونيون والمستقبليون؟ وكيف ستمرّ؟ وهل من الممكن أن تكون مقبولة من بقية الأطراف حتى من أولئك المؤيدين للجنرال؟ وأخيراً، هل سيُسمح لثلاثي سمير جعجع - جبران باسيل ـ نادر الحريري أن يكون رافعة العهد المقبل؟
(كلير شكر - السفير)
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك