من يجالس "الجنرال" في هذه الأيام يسمع منه تطمينات جديدة، تزيد الثقة بما يقوم به سعد الحريري، وتدفع المتحمسين لرئيس تكتل "التغيير والإصلاح" للتعامل مع موعد 31 تشرين الأول، على أنّه يخبئ "مفتاح القصر" في جيبه، ولن يتوانى عن وضعه في الباب. ومع ذلك، فإن الحذر واجب، وهو لم يغادر الرابية بعد، فكيف بعد تغريدة القائم بأعمال السفارة السعودية المفاجئة ليل أمس لمصلحة جان عبيد.
عملياً، لم يطرأ أي معطى جديد على الساحة الداخلية ليرفع من أسهم العماد عون ويدفعه الى الإفراط في تفاؤله، لكنه أبلغ زواره امس أنّ راداراته التقطت إشارات خارجية إيجابية من شأنها أن تسهّل مهمة رئيس "تيار المستقبل".
هكذا، يُفترض أن يكون الإعلان المنتظر من بيت الوسط قبل 16 ت1 هو الخط الفاصل. لا شيء قبله، وكل شيء من بعده. سيظل التشكيك قائماً بمدى جدية الرجل ورغبته، أو بالأحرى في قدرته على الإعلان بالفم الملآن تبنيه لترشيح ميشال عون، الى أن يفعلها. من دون هذه الخطوة ستبقى مبادرته حبراً على ورق وحركة بلا بركة.
يقول المتحسمون للجنرال، إنّ لحظة وقوف سعد الحريري على المنبر ليقطع الشك باليقين هي التي ستعني انطلاق القطار البرتقالي الى القصر، لأن من شأنها أن تغيّر المعادلة، وتجعل من مشوار ترئيس "الجنرال" نزهة بسيطة، لا تحتاج إلا لبعض "الترتيبات النهائية" التي سيتولاها ميشال عون بنفسه، ليجلس من بعدها على الكرسي.
حتى "عقدة السلة" مع الرئيس نبيه بري ستصبح أسهل على الحل، لأنّ "حزب الله" سيساعد أكثر في إيجاد الصياغات التوافقية بين الحليف وحليف الحليف.
وفق هؤلاء، لا يمانع "الجنرال" من البحث في مضامين الصياغات مع رئيس المجلس، مع أنّهم يجزمون أنّها مطالب سلطوية لا تتخطى عتبة موقع الرئيس بري في العهد الجديد والضمانات التي يسأل عنها (يتردد أنه يطالب بوزارت المالية والطاقة والأشغال)، مع العلم أنّ تركيبة الحكومة هي مسألة تخص كل القوى السياسية ولا يمكن لرئيس الجمهورية أن يكون متحكماً بها وحده، ولكن يمكن له أن يكون متفهماً لأجندات القوى السياسية، لا أكثر.
هكذا، صارت روزنامة الأحداث واضحة ومحددة بالنسبة للرابية:
ـ إعلان الحريري سيكون الحجر الأساس، لينطلق ميشال عون من بعدها في جولة يقوم بها بنفسه على بعض القيادات اللبنانية، وفي مقدمتهم الرئيس نبيه بري، وليد جنبلاط، سليمان فرنجية، ورؤساء جمهورية سابقون عملاً بالنصائح التي تلقاها من "حزب الله" للتفاهم مع كل المكوّنات اللبنانية، خصوصاً أنّ جبران باسيل اعترف بنفسه بأنّ ما تمّ التوصل اليه مع سعد الحريري كان تفاهماً ولم يكن صفقة.
لكنه عملياً أقرّ بمبدأ وجود تفاهم ثنائي، ما يفتح الباب أمام إمكانية صياغة تفاهمات مماثلة مع بقية القوى اللبنانية، ليكون الجنرال هو الضامن لهذه الأطراف كي تنضم الى التفاهم الشامل الذي يؤمل منه أن يفتح أبواب القصر.
ـ على أن تسبق هاتين الخطوتين، جولة سيبدأها باسيل اليوم على رأس وفد نيابي للقاء الكتل النيابية الصغيرة، لوضعها في أجواء المشاورات القائمة، لا سيما على خط الرابية ـ بيت الوسط. وسيلتقي اليوم كلاً من رئيس "الحزب الديموقراطي اللبناني" طلال ارسلان، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير السابق علي قانصو، والأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان.
ومع ذلك، لا يزال الحذر قائمًا في الرابية ما دام الحريري لم يغادر مربع التردد وما يزال متحصّناً بجدار الجولة الخارجية التي ينوي القيام بها. بنظر المتحمسين للجنرال، ما يقوم به الرجل ليس من باب البحث عن غطاء إقليمي للمبادرة بل لحراكه تجاه شارعه وناسه. الخشية ليست من وقوف العواصم المؤثرة بوجه خيار ترشيح ميشال عون بل من ردة فعل الشارع "المستقبلي" حين سيبلغهم زعيمهم أنّه قرر عن سابق إصرار وتخطيط التصويت لميشال عون.
ولهذا مثلاً لم يهتم هؤلاء لما سمعه الحريري في موسكو بقدر ما اهتموا لما قاله الرجل أمام المسؤولين الروس. يكفي أنّه بقي متمسكاً باستدارته تجاه الرابية، كما تناهى الى مسامعها، كي يضع الجنرال يديه في الماء البارد.
وفق تقدير هؤلاء، لا بدّ أن يبدأ العدّ العكسي قبل موعد 16 تشرين الأول، أي خلال هذا الأسبوع، فيفجّر الحريري قنبلته، ويترك للجنرال بقية المهمة. هكذا يفترض أن يتحول الموعد المنتظر أمام القصر الرئاسي يوم الأحد المقابل الى ما يشبه العراضة الشعبية احتفالاً بالرئاسة الموعودة منذ أكثر من ربع قرن!
(كلير شكر - السفير)
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك