قيل الكثير في الأيّام الأخيرة عن العلاقة بين رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ووزير الداخليّة نهاد المشنوق، على خلفيّة المواقف التي أدلى بها الأخير. وقد عُقد لقاء، أمس الأول، واستمر ثلاث ساعات وتخللته مصارحة بين الاثنين.
قال المشنوق للحريري انه لم يطلق ادانة بل قدم رواية اشبه ما تكون بمراجعة لمرحلة "السين سين". قد تكون ناقصة وبحاجة الى استكمال وخصوصا لناحية تسليط الضوء على المسعى الدولي ـ الاقليمي الذي قاده الملك الراحل، مراهنا على ما افترضها وقتذاك "حسن نية النظام السوري"، قبل أن يكتشف أن هذا النظام "أخذ ولم يعط ووعد ولم يف"، على حد تعبير المشنوق.
كانت ردة فعل الملك عبدالله في ضوء ذلك رفضه "تشريع السياسة السورية في لبنان"، ودخل لبنان بعد استقالة حكومة الحريري في مرحلة سياسية غامضة الملامح، فيما جاءت التطورات السورية في العام 2011 لتجعل سوريا كلها ودورها الاقليمي في مهب الريح.
يقول المشنوق انه ليس هو من يُشكك بموقفه أو تقييمه أو قراءته للدور السعودي في لبنان والمنطقة. ثمة خطابات ومواقف وكتابات وتصريحات تحكي وحدها من دون اضافات. من التدخل في البحرين الى "عاصفة الحزم" في اليمن مرورا بسوريا والعراق. لذلك، أصر على وجوب أن يكون هناك حد فاصل بين "الرواية" وبين "الادانة"، وهو المدرك للأثر السلبي الذي تركته زيارة الحريري الى دمشق عند قواعده وجمهوره.
وما يسري على "رواية السين سين" السعودية يسري أيضا على "رواية ترشيح فرنجية". ربما كان الأصح أن يقول وزير الداخلية "هذه رواية السفير البريطاني السابق توم فلتشر وليست رواية حكومة بلاده"، وهي رواية شخصية لطالما سمعها مرارا المقربون من المشنوق منذ أشهر ولم يقدمها ولا مرة عبر وسائل الاعلام:
توم فلتشر يعرض قبيل مغادرته بيروت صيغة رئاسية وحكومية مركبة سرعان ما تتحول الى مبادرة اقليمية ودولية ولبنانية. بدا وزير الداخلية حريصا أكثر من مرة على القول انها روايته وليست رواية "تيار المستقبل"، فهل من ردوا عليه بالمضمون نفسه، "كانوا يؤكدون المؤكد أم أنهم كانوا يفجرون أحقادهم"، وهم العارفون أن علاقة وزير الداخلية بالسعودية وبآل الحريري "هي علاقة سنوات لا بل عقود طويلة وليست مجرد مواسم انتخابية عابرة"؟
بطبيعة الحال، بدا الحريري متحفظا الى حد كبير على مجمل رواية وزير الداخلية بشأن ترشيح فرنجية، وهو التحفظ نفسه الذي أبداه السفير السعودي علي عواض عسيري، في اللقاء الذي امتد أيضا بينهما نحو ساعتين. قال المشنوق للرجلين، كل على حدة، "كما قلت في المقابلة التلفزيونية انها روايتي.. وأنا أتحمل مسؤوليتها كاملة". تفهم الرجلان موقفه. سارع عسيري عبر الاعلام الى وضع النقاط على حروف الشق الرئاسي، تاركا للحريري أن يكمل الرواية من وجهة نظره في خطاباته في الافطارات الرمضانية التي سيدشنها نهاية هذا الأسبوع (8 في دارته و8 افطارات مناطقية).
ومن راجع على خط بيروت ـ الرياض، فهم من "مصادر سعودية عالية المستوى" انها ابلغت الجميع ان الانتخابات الرئاسية "شأن لبناني بحت وعلى اللبنانيين ان يتصرفوا بما يناسب مصلحتهم ومستقبل وطنهم دون العودة الى مواقف سعودية سابقة رافضة او موافقة على ترشيح هذا او ذاك من المرشحين الرئاسيين".
بكل الأحوال، لم يعد خافيا على أحد وخصوصا على فرنجية الذي يتواصل بشكل شبه يومي مع زعيم "المستقبل" أن لا تعديل في حروف المبادرة الحريرية: فرنجية مرشحنا وخيارنا الوحيد لرئاسة الجمهورية وكل ما يقال عكس ذلك لا يعبر عن موقف "تيار المستقبل".
وما لا يعرفه كثيرون أن العلاقة بين فرنجية والحريري تطورت شخصيا الى درجة أن الرجلين يتصارحان في الكثير من الأمور. على سبيل المثال لا الحصر، فان رد الرئيس الحريري على الشيخ قاسم، لم يأت مفاجئا لفرنجية، بل كان مطلعا على مضمونه مسبقا. الأمر نفسه يسري على رد فرنجية. حقيقة الأمر أن الاتفاق بينهما يكاد يكون على "النقطة.. والفاصلة".
عن "السفير" بتصرّف
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك