عند آخر “السنسول” في أحد المنتجعات السياحية في جونية، صخرة لم يكتشفها أحد بعد من روّاد الموقع، ودرج بالقرب منها وامرأة شقراء تعطي تعليمات لخادمتها لتحضير كل ما تحتاجه لصيد الأسماك. جلستُ عند الصخرة برفقة صديق، نتأمّل الشقراء التي تبدو بكامل “الهضامة” خصوصاً بطريقة كلامها مع “كيكي”.
أمّا “كيكي”، فهي خادمتها أو صديقتها في مشوار الصيد، وتملك قدرة تحمّل رهيبة على ما بدا واضحاً ذاك العصر. “كيكي، تعي هدّيلي الشريط منيح”، “كيكي شوفيلي إذا السنارة زابطة”، “كيكي ربطيلي العجينة منيح”، “كيكي وين رحتي” وغيرها من التعليمات التي أهلكت “كيكي” من دون أن تفتح فاها أو تصدر أنفاساً منزعجة.
أخذت علبة الدخان وأشعلَت “سيجارة”، وشردَت تتأمّل في “كيكي” التي لا تزال واقفة والسنارة بيدها، ولا صيد في سلّتها بعد. ظلّت المرأة الشقراء صامتة، “تنفّخ” دخانها شمالاً ويميناً الى أن داقت الدنيا بها ونفذ صبرها فصرخت “كيكي تعي لهون”، وطلبت منها أن تُبقي عينيها على خيط كانت قد ربطته في صخرة صغيرة قرب الدرج، وأسدلته في الماء كنوع صيد لم أره من قبل.
“أوكي مادام”، قالت “كيكي” وأعطت صديقتها السنارة لتصطاد بنفسها. ولمفاجأتي الكبرى، صُدمت برشاقة جسدها فاعتقدت أنّها أجنبية، خصوصاً عندما أسدلت شعرها الذهبي ووقفت تنتظر الصيد بشغف.
حركاتها تدلّ على أنّها صيّادة ماهرة، وصبرها الطويل يشير الى أنّها من النوع المحترف أيضاً.
وما أن استدارت لتوبّخ “كيكي” لأنّها أفلتت الخيط عن غير قصد، حتّى رأينا وجهها للمرة الأولى. فقال لي صديقي “إنّها كالـ poupée”، فضحكت وتأمّلت أكثر في معالم وجهها وأصغيت بعمقٍ الى صوتها، فضحكت من جديد وقلت له “عرفتها”. أمّا هي، فتابعت “خناقتها” مع “كيكي”: “لك شو عملتي، يلعن حظي يا “كيكي”، هلّق شو بدي إعمل، الله لا يوفقك يا “كيكي”.
وبقيت أنتظر الظرف المناسب لأعرّفها عن نفسي، أو لأقول لها بأنّني عرفتها، ويا لحظّها المشؤوم صادفها صحافيّ في أكثر الأماكن سلاماً منهم. أردت أن “أرندح” أغنية قديمة لأسمر وبسيّارة جيب، لكنني اعتقدت بأنّها ستكون خطوة صبيانيّة فاشلة. فانتظرتها الى أن أشارت لـ “كيكي” بالرحيل، واستدارت نحونا وقالت “قوموا هلّق بياكلكن البرغش”.
فقمت وبسرعة توجّهت نحوها وألقيت التحية عليها، وتمشّيت الى جانبها قليلاً، فأخبرتني عن حبّها لصيد الأسماك وللبحر الذي يشعرها بالسلام والطمأنينة.
طلبت منها “سيلفي”، فرّدت “مش بهالشكل دخيلك”، فتصافحنا بابتسامة أعادت ذكرياتي الى تلك الأغنية وذاك “الفيديو كليب”، فعلّمتها لصديقي وقلت له “طلعت هيي، عايدة أبو جودة”. وتابعتُ بصوت منخفض “أسمر وبسيّارة جيب، صار يزمّرلي بيب بيب، قلتلّو بتعرفني منين، قلّي شفتك من يومين، يا عايدة عالفيديو كليب”.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك