فاجأت الإنتفاضات الشعبية الأنظمةَ العربية كما الولايات المتحدة على حدٍ سواء. لكن اميركا فاجأت العرب والعالم بتصفية رمز تنظيم «القاعدة» بعد نحو عشر سنوات على احداث 11/9/2001.
هـل مـن رابـط بيـن الانتفاضـات العربيـة وتصفيـة اسامـة بن لادن؟
ليس للولايات المتحدة دور في تفجّر الانتفاضات الشعبيـة في عالم العرب، كما ليس للعرب دور في تصفية رمز «القاعدة». غير ان اميركا تبقى في الحالين قاسماً مشتركاً. فالإنتفاضات الشعبية اندلعت، في معظمها، ضد أنظمة متحالفة مع الولايات المتحدة او ممالئة لها من جهة، ومن جهة اخرى تدعم اميركا وحلفاءها من مجموعات سلفية مسلحة تحاول، في هذه الآونة، النيل من سورية بما هي الدولة العربية الوحيدة المناهضة لسياسة اميركا وعدوانية الكيان الصهيوني في المنطقة.
صحيح ان لا دور للعرب في تصفية بن لادن، لكن من المحتمل ان يكون لجماعات عربية إسلامية متشددة دور في الانتقام من اميركا لقيامها بتصفيته على نحوٍ يثير مسائل انسانية وشرعية وسياسية لدى المعنيين فيها بحقوق الإنسان، كما في سائر انحاء العالم. واشنطن تحسب حساباً لهذا الاحتمال، ومن المفترض ان تكون قد وضعت خططاً ومخططات لمواجهة ذيوله الأمنيـة وتداعياته السياسية، كما من المفترض ايضا ان «تعالج» خططها ومخططاتها قضايا اخرى ساخنة وعالقة، ستترك تصفية بن لادن انعكاساتها الامنية والسياسية عليها. في مقدم هذه القضايا، الصراعُ الفلسطيني - الصهيوني ومتفرعاته المتعلقة بأنشطة قوى المقاومة العربية في فلسطين ( خاصةً في قطاع غزة ) وفي لبنان. فما هي ملامح السياسة الاميركية في المنطقة حيال التحديات البازغة؟
من المعلوم ان الانتفاضات الشعبية العربية اندلعت قبل تصفية بن لادن بنحو خمسة اشهر، وقد سقط جرّاءها رئيسا تونس ومصر، وهي تهدد رئيس اليمن بالسقوط. غير ان ثمة نتائج وازنة لهذه الانتفاضات الشعبية تركت آثاراً بالغة الأهمية في المشهد السياسي العربي، بحيث اضحت تشكّل، بحد ذاتها، قضايا مقلقة وواجبة المجابهة على المستويين العربي والإقليميأولى القضايا، بوادر تغيّر استراتيجي في موقف مصر من «اسرائيل» تجلّت في اعتزامها فتح معبر رفح بصورة دائمة، وقيامها بنسف الخط الذي يزوّد الكيان الصهيوني بالغاز، وكشفها فضيحة السعر المتدني للغاز الذي تتقاضاه من تل ابيب، ما سيؤدي لاحقاً الى التفاوض مجدداً لزيادته او ربما لقطع توريده، والتظاهرة المليونية التي تعدّها المعارضة المصرية الشبابية للمطالبة بإغلاق السفارة «الاسرائيلية» وإلغاء معاهدة الصلح الناجمة عن اتفاقات «كامب دايفيد».
كل هذه التداعيات المتحوّلة الى أزمات، وربما الى مواجهات، ترمي بثقلها على الولايات المتحدة، وتفرض على باراك اوباما، عشية الانتخابات الرئاسية، اتخاذ مواقف مغايرة.
ثانية القضايا، التبدّلُ البازغ في موازين القوى الإقليمية نتيجةَ سقوط نظام حسني مبارك، والخروج المرتقب للجيوش الأميركية من العراق وافغانستان. ثمة خبراء استراتيجيون يفسرون موقف اميركا واوروبا العدائي من سورية، والدعم الذي تتلقاه المجموعات السلفية المسلحة الناشطة ضدها بأنهما وجها عملية واحدة متعددة الأغراض لإضعاف سورية. في مقدم هذه الاغراض، الحؤول دون استفادة سورية وقوى الممانعة والمقاومة في قطاع غزة ولبنان من الوضع الاستراتيجي المستجد لتمتين تحالفها مع ايران، وبالتالي لجعل هذا التحالف الاقليمي المناهض لأميركا في وضع افضل، لملء الفراغ الذي سينجم عن خروجها العسكري التدريجي من المنطقة. وهو وضع سينعكس بالضرورة سلباً على «اسرائيل» في الميادين السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.
ثالثة القضايا، المصالحة الفلسطينية التي أحرجت «اسرائيل» واضعفتها اقليمياً ودولياً، وزادت من حظوظ مشروع القرار المزمع عرضه على الجمعية العامة للامم المتحدة في ايلول المقبل، والرامي الى الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على «حدود» حزيران 1967. في هذا المجال، تعتزم «اسرائيل»، على ما يبدو، اتخاذ سلسلة تدابير ومواقف في فلسطين المحتلة، وعلى المستويين الاقليمي والدولي، لإفساد المصالحة الفلسطينية ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة من دون مفاوضات مباشرة معها.
رابعة القضايا، إحتمالُ تطور الصراع السياسي والعسكري في ليبيا الى حرب اهلية متطاولة، وربما الى تدخل اوروبي واميركي برّي لـِ «إنقاذ» حكومة المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي وسائر المدن «المحررة» من جور نظام القذافي الاستبدادي وحربه الوحشية على السكان المدنيين. ذلك كله قد يؤدي الى إعادة وضع نفط ليبيا وعائداته الهائلة تحت سيطرة دول الغرب الاطلسي، وتوظيفها في خدمة اقتصاداتها وسياساتها الاقليمية والدولية. الامر نفسه تقريباً قد يحدث في اليمن، حيث تحرص الولايات المتحدة وحلفاؤها الاقليميون على الحؤول دون سيطرة خصومها المحليين على مقاليد السلطـة بعد إزاحة علي عبدالله صالح.
خامسة القضايا، إعادةُ تسخين قضية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بقيام المدعي العام لديها دانيال بلمار بإجراء تعديل ثانٍ على قراره الاتهامي المرفوع الى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين من اجل إقراره وبالتالي اعلانه. وقد تردد ان «التعديلات» المتكررة على القرار الاتهامي ترمي الى تكريس اتهام قادة حزب الله، وربما بعض المسؤولين السوريين ايضاً، باغتيال رفيـق الحريري. كل ذلك بقصد الضغط على سورية وحلفائها اللبنانيين لتأمين تأليف حكومة جديدة لا تكون خاضعة لهم، حتى اذا تعذّر ذلك، أمكن اللجوء الى تفجير فتنة طائفية في البلاد تؤدي بمفاعيلها السياسية الى إحياء مسألة تنفيذ قرار مجلس الامن 1559 القاضي بتجريد الميليشيات غير النظامية اللبنانية والفلسطينية من اسلحتها، بغية تعطيل قوى المقاومة. غني عن البيان ان تنفيذ هذا المخطط مستحيل، من دون قرار واضح من مجلس الأمن في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يستلزم نشر قوات دولية مؤلفة في معظمها من جيوش دول الحلف الاطلسي. غير أن نجاح مثل هذا المخطط يبقى امراً مشكوكاً فيه بالنظر الى قدرة حزب الله وحلفائه على تعطيله ميدانياً وتكبيد القوات الاطلسية خسائر فادحة.
الى ذلك، يجب التنبّه الى حقيقة سياسية واستراتيجية متبلورة هي، ترابط القضايا الخمس سابقة الذكر، كما ترابط المخططات الرامية الى مجابهتها او معالجتها. سببُ ترابطها اصرار «اسرائيل»، مدعومةً باميركا واوروبا، على ان تتضمن اية تسوية محتملـة للصراع الفلسطيني-الصهيوني آلياتٍ سياسية وعسكرية تكفل تعطيل كل اشكال المقاومة للكيان الصهيوني، كي تكون التسوية المعتمدة تسويةً نهائية للصراع.
في ضوء هذه التداعيات والتحديات والاحتمالات الماثلة، تستبين الحاجة الى ضرورة مسارعة العرب، شعوباً ودولاً وقوى حية، الى معالجة أزماتهم وقضاياهم بجدية تامة، بغية الخروج من حال الضياع والشرذمة الى حال المواجهة الشاملة لمخططات دول الغرب الاطلسي و»اسرائيل»، الرامية الى إعادة فرض هيمنتها على مواردهم الطبيعية وثرواتهم واسواقهم. من هنا تتأكد أهمية أن تخرج سورية من ازمتها الراهنة، وان تفك مصر قيود «كامب دايفيد» وتستعيد دورها العربي والإقليمي، وأن يتكامل وادي النيل وبلاد الشام سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً، والتعاون مع قوى الممانعة والمقاومة، من أجل استكمال تحرير العراق وتوحيده، وترسيخ وحدة لبنان واستقراره، ودعم قضية الشعب الفلسطيني في كفاحه المتصاعد من اجل التحرير والعودة والكرامة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك