تدور أحداث مسرحيّة "فيلم أميركي طويل"، التي تجسّد مرحلة من تاريخ الأزمة اللبنانيّة بأسلوب زياد الرحباني، داخل مستشفى للأمراض العقليّة وفيها يحصل سجالٌ طويل بين الممرّضة والمرضى عندما تبلغهم بأنّ الطبيب أجّل معاينته لهم حتى يوم الأربعاء، فتنطلق ردّات الفعل الصاخبة وحين تهدأ "العاصفة" يسأل "رشيد" الذي يؤدّي دوره زياد، وكأنّه كان غائباً عمّا يجري من حوله، "وأيمتا جايي الحكيم؟".
انشغلنا في اليومين الماضيين بردود الفعل على القرار السعودي بإعدام الشيخ نمر النمر. هاجم أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله وآخرون السعوديّة ودافع عنها رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري وآخرون. لم يتغيّر الأمر علينا مع بداية العام 2016. أينما حبلت، ستلد عندنا. وكانت الأشهر الأخيرة من العام المنصرم حملت سجالاً لبنانيّاً - لبنانيّاً ارتفعت وتيرته وانخفضت مراراً على وقع الأزمة السعوديّة - الإيرانيّة، ما جعل لبنان ساحةً لمواجهات الآخرين. يحصل الأمر نفسه منذ اندلاع الحرب في سوريا، حيث يناصر فريقٌ النظام وفريقٌ آخر المعارضة، بمختلف تلاوينها، ويعد، منذ سنوات، فريقٌ بسقوط النظام بعد أسابيع وفريقٌ آخر بحسم الجيش للأزمة بعد أسابيع أيضاً. لم يسقط النظام ولا حسم الجيش، وظلّ لبنان ساحةً لانتقام هذا الفريق من ذاك.
تنال أحداث الآخرين حيّزاً من اهتمام السياسيّين لدينا أكثر من اهتمامهم بشؤون اللبنانيّين. تشعر وأنت تسمعهم بأنّهم صنّاع قرارٍ دولي وبأنّ جيوش وأساطيل دول التحالف تتحرّك بناءً على إشارتهم وبأنّ دول "البريكس" تنصاع لأوامرهم. تسمع منهم من يهدّد إيران وكأنّه قادر على إسقاط رئيسها، وتصغي الى من يتوعّد باضمحلال السعوديّة بعد أيّام، وكأنّ صنع ذلك متاح له.
غداً قد تشتعل الأزمة أكثر بين السعوديّة وإيران. وقد تستمرّ الحرب في سوريا سنوات عدّة. وقد يحصل العكس، فيجلس ممثّلو الدولتين الى طاولة واحدة ويتبادلان القبل، وتنتهي الحرب في سوريا عبر حسمٍ أو تسوية. وفي الحالتين لن نكون أكثر من متفرّجين، لا قدرة لنا على التأثير في المشهدين السياسي والعسكري.
في الانتظار، نعود الى سؤال المجنون "رشيد" في "فيلم أميركي طويل": "وأيمتا جايي الحكيم؟". فنسأل، نحن المجانين المقيمين في هذه الجمهوريّة، السياسيّين المنشغلين بالأزمة السعوديّة - الإيرانيّة وبالحرب في سوريا: "وأيمتا رح تشيلولنا هالزبالات؟".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك