يعود ملف المخيّمات الفلسطينية إلى الواجهة من الزاوية الأمنية على الرغم من أن الهمّ المعيشي الإنساني يبقى طاغياً لدى اللاجئين، خصوصاً مع تراجع خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين <الأونروا>•
في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن توافق اللبنانيين منذ العام 1987 على إسقاط مفاعيل إتفاقية القاهرة بما يعني الإنهاء الكامل لحالة السلاح الفلسطيني خارج وداخل المخيّمات، يعود هو أيضاً إلى الواجهة من زاوية شلل الدولة اللبنانية على تنفيذ هذا القرار الذي اتخذه البرلمان اللبناني حينها، وكرّسه إتفاق الطائف، كما باركته هيئة الحوار الوطني في العام 2006 وأكدت عليه البيانات الوزارية المتتالية للحكومة•
وفي هذا الإطار تُشير مصادر مطلعة إلى أن خلافات عميقة داخل مخيّم عين الحلوة بدأت تبرز للعيان بين قياديين بارزين ما يجعل قدرة لجم وضبط أي إختراق هشّاً، وما الإغتيالان اللذان وقعا في الأيام الأخيرة واستنفرا المواجهة بين فتح وحركات تتلطى بشعارات إسلامية سوى تأكيد على أن الترقيع الأمني لم يعد مقبولاً في المخيّمات، والدليل على فشل الترقيع تجربة مخيّم نهر البارد في العام 2007 والذي دفع فيها اللبنانيون والفلسطينيون معاً ثمناً غالياً بسبب التغاضي عن استباحة أمن المخيّمات والقبول بها ملجأً للخارجين عن القانون ناهيك باختراقات مخابراتية لكلٍ منها أجندته الخاصة•
لا ريب أيضاً في أن تمتين المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، وتحديداً بين فتح وحماس يؤرق الكثيرين على المستويين الإقليمي والدولي، فليست إسرائيل فقط المتضرّر الأول من هذه المصالحة بل إن إخراج القضية الفلسطينية من أي محور إقليمي ودولي يُعيد لهذه القضية تألّقها بما ينهي حالة التفوّق الإسرائيلي حتى على مستوى المزاج الغربي ما يستدعي منه توتيراً للأجواء قد يفشل فيه في فلسطين، إنما يحاول تعميمه في لبنان بسبب ما يُحكى عن تواجد مخابراتي له فيه•
ومهما يكن من أمر التعاطي الآني من منطلق ردّ الفعل مع ما حدث في مخيّم عين الحلوة فإن هذه الأحداث تُبرز غياب مرجعية لبنانية جدّية في مقاربة ملف اللاجئين الفلسطينيين بشكل متكامل على المستويات الإنسانية والسيادية والدبلوماسية، ناهيك بغياب للشرعية الفلسطينية أيضاً، فهل من المقبول مثلاً أن يتولى أمنيون التصريح عن الأحداث في المخيّمات في حين أنه أصبح للفلسطينيين سفارة؟ أو لا يعني ذلك أن ثمّة قراراً لم يُحسم حول لمن تكون المرجعية الأولى والأخيرة لكل قرار يؤخذ حول وضعية السلاح داخل وخارج المخيّمات على الرغم من أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفي زيارته الأخيرة للبنان عبّر بشكل واضح أن لا حاجة لأي سلاح فلسطيني فاللاجئون الفلسطينيون ضيوف مؤقتون ومسؤولية أمنهم تقع على عاتق الدولة اللبنانية•
في كل الأحوال لا بد من التأكيد على أن المخيّمات تبقى قنبلة موقوتة في ظل تصاعد حركة سلفية إسلامية داخلها مرتبطة بدرجة أولى بحالة الفقر الاستثنائية التي يعيشها اللاجئون إلى تراجع تقديمات منظمة التحرير الفلسطينية أيضاً، وصولاًَ إلى صراع النفوذ داخل كل من الفصائل الفلسطينية، ويستدعي ذلك خروج الدولة اللبنانية على الرغم من إنشغالاتها الكثيفة والاصطفاف السياسي الحاد الذي تعاني منه تركيبتها، من حالة المتفرِّج على المخيّمات إلى حالة المبادر للتأكيد على مسؤولية المجتمع الدولي كما جامعة الدول العربية لإيجاد تسوية الحدّ الأدنى أقلّه للملف الإنساني - المعيشي خصوصاً وأن لبنان لا يحتمل أن يتورّط بأي مشروع دمج مجتمعي تدريجي لهؤلاء اللاجئين على أرضه•
ويستدعي ذلك أيضاً من الأحزاب اللبنانية إعادة الاعتبار أيضاً لدينامية العمل المشترك وتوسيع مساحة التوافق حول مقاربة هذا الملف•
وتشير مصادر مؤكدة لـ <اللواء> أن الرابطة المارونية طرحت البارحة وفي اجتماع هيئتها التنفيذية ملف اللاجئين الفلسطينيين بما يعني إمساكاً دقيقاً ومبادرة جريئة لمقاربة ملف جديد على غرار ما قامت به في قانون الانتخاب، ما سيثير حتماً نقاشاً جدّياً في الأوساط السياسية اللبنانية كما الأكاديمية منها، وسيستجلب حتماً إهتماماً دولياً•
وما توجّه الرابطة المارونية سوى تأكيد على أنه بات من غير المقبول أن تبقى مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في حيّز الإهمال والقدرة على ضرب الاستقرار من خلالها•
من جهة أخرى وبحسب المصادر أن ثمّة حِراك كثيف ستعيد إطلاقه المؤسسات الدولية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بتعديل قانون العمل اللبناني في آب 2010 والذي يسمح فيه للاجئين الفلسطينيين بالعمل باستثناء المهن الحرة مع إمكانية استفادتهم من تقديمات صندوق تعويض نهاية الخدمة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي•
من هنا يتطلب أن يعي اللبنانيون جميعاً أنه وفي ظل تصريحات إسرائيلية متمادية في الدعوة لتعديل مهام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ووضع هؤلاء تحت سلطة المفوضية العليا للاجئين بما يعني الإنهاء التدريجي لوضعيتهم الخاصة يؤشر إلى إنسداد أفق التسوية بالمعنى التفاوضي في المنطقة لا يعني أبداً إغفال <الهرولة> الدولية لإنجاز سينار يو تطبيعي مجتمعي تدريجي لهؤلاء في الدول المضيفة•
فهل يكون لبنان واعياً لما يُحاك له من منطلق العمل أكثر منه الانتقاد أو الانخراط في روحية مهاجمة المؤامرة؟ وهل تعي القوى السياسية اللبنانية على اختلاف إنتماءاتها أن ثمة مساحة مشتركة حول هذه القضية يجب أن تحكم توجهاتها من ضمن المصلحة الوطنية العليا؟ أم أن هذا الملف سوف يخضع للبازار السياسي الضيّق، الطائفي والمذهبي منه وصولاً الى استغلاله في استحقاقات مقبلة على قاعدة المزايدة والمساومة وعضّ الأصابع••
وتؤكّد المصادر ذاتها على أن حالة <الستاتيكو> ستبقى قائمة في المخيّمات ومحاولات الاستدراج للتفجير ستبقى محدودة•
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك