للمرة الاولى منذ فترة طويلة يشعر المشاركون في طاولة الحوار التي تجمع قيادات الصف الاول في لبنان، بأن الوضع خطير وحساس، ولا يحمل المزيد من التسويف، او المماطلة، والملفات الوطنية العالقة، اضافة الى ان القضايا التي تتعلق بالوضع المعيشي للمواطنين تحتاج الى معالجات فورية، تحت طائلة المساءلة الشعبية، او خوفا من مصير قاتم ينتظر الوطن الجريح.
كانت نقاشات الجلسة الأخيرة جدية ،وأن على القوى التي كانت تتحمل اكثر من غيرها مسؤولية عن التعطيل، انها بدأت تعيد حساباتها السياسية، لأن فترة السماح التي كانت ممنوحة لها بفعل العامل الطائفي او الاقليمي، قد استنفدت، ولم تعد الشعارات التي تلطت خلفها هذه القوى لأكثر من 17 شهرا، تقنع الرأي العام، لاسيما المسيحي منه، حيث بدأ الفراغ في رئاسة الجمهورية ينتج مخاطر وجودية، وشل السلطتين التشريعية والتنفيذية يعطل مصالح المواطنين الذين، في أغلبيتهم الساحقة، غير راضين عن اداء المسؤولين، حتى لو لم يشاركوا في بعض الاحتجاجات التي قامت بها مجموعة من الناشطين، او المستفيدين.
خطاب العماد ميشال عون رئيس تكتل التغيير والاصلاح في الجلسة كان جديدا، وفتح كوة في الجدار الرئاسي والتشريعي المقفل، رغم ان ملف اطلاق العمل الحكومي لم ينجح، بسبب الخلاف على ترقية كبار الضباط الى رتبة لواء - ومنهم صهر العماد عون شامل روكز - لتمديد بقائهم اكثر في الخدمة العسكرية الفعلية.
استعجال راعي الحوار- والفريق فيه في آن - الرئيس نبيه بري الى تحديد ثلاث جلسات متتالية لطاولة الحوار، تعقد في 6 و7 و8 اكتوبر، يحمل بعض البشائر، خصوصا ان جميع الحاضرين تحدثوا عن رغبة في الوصول الى حل في موضوع الرئاسة، ولم يعد باستطاعة احد منهم التهرب من المسؤولية عن جزء من التعطيل الذي سيحاسب عليه، آجلا او عاجلا من جمهوره، ومن عامة الشعب. وهؤلاء المسؤولون اقتنعوا بأن التبريرات الواهية عن مسؤولية التعطيل لم تعد تنطلي على احد من المواطنين.
سواء اقرت طاولة الحوار في جلساتها القادمة، موضوع انتخاب رئيس للجمهورية قبل الانتخابات النيابية، او بعدها، يعتبر الامر انجازا، خصوصا ان الاتفاق على قانون للانتخابات النيابية على اساس النسبية، او مناصفة بين النسبية والاكثرية، حصل على موافقة مبدئية من معظم القوى المشاركة. ولن يكون قانون استعادة الجنسية للمغتربين اللبنانيين محل خلاف كبير، لأن القوى المطالبة فيه، بدأت تدرك انه لن يكون في صالحها، نظرا لاختلال الاعداد التي قد تستفيد من القانون لصالح المسلمين.
اعادة النظر ببعض المواقف عند قوى 8 آذار، كانت مفاجأة طاولة الحوار هذه المرة. مما يؤشر الى مجموعة من المعطيات التي استجدت على الساحة، قد يكون جزء منها الامتعاض الشعبي، ومن غير المستبعد ان يكون الجزء الآخر مرتبطا بمتغيرات اقليمية، او سورية على وجه التحديد، وهذا ما دلت عليه مداخلة النائب سليمان فرنجية، الذي قال انه لا يمانع في الاتفاق على مرشح رئاسي من قوى 14، اذا كان الخيار محصورا بمرشح حيادي. وقد تلقف مواقفه رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط معتبرا انها جديرة بالنقاش، بعيدا عن التمسك بالطروحات «الحنبلية» التي لا تتلاءم مع خطور الاوضاع.
هل تخرج طاولة الحوار - في اجتماعاتها القادمة - البلاد من دوامة التعطيل؟ وبالتالي تنقذ نفسها من الاتهامات التي طالتها من بعض المتظاهرين. وبعض هؤلاء المتظاهرين لا يخفون طموحهم للوصول الى السلطة، وربما يشدهم هذا الامر الى التظاهر، اكثر مما تشدهم مطالب المواطنين. في الحالتين، الموضوع يدعو الى تهيب خطورة الموقف.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك