من لا يؤمن بالله وبالقدر العادل لا يستطيع ان يقرأ مستجدات الزلزال السياسي الاقليمي وتأثيراته الداخلية في لبنان والتي بدأت تتجلى شيئا فشيئا امام كفر اهل "8 اذار" بانفسهم وقدرتهم على حكم البلاد وبوادر الانحلال والتفكك في الفكر الممانع ومدارسه الاقليمية مع بروز وثائق ويكيليكس وفضائحها التي كشفت وتكشف كل يوم هشاشة ذلك الحلف الاقليميي – الحزب الهي الذي يتحكم بلبنان منذ 2005 والى يومنا هذا.
من لا يقرأ بين سطور وكلمات ما يحصل في كواليس الوضع الاقليمي منذ فترة كما حاليا – لا يستطيع ان يفهم حقيقة لامعة مضوية مفادها بدء سقوط الرهانات الخارجية ضد لبنان السيد والحر والمستقل – لبنان الدولة والمؤسسات والقانون والعيش المشترك كي لا نقول العيش الواحد على حد احدى بيانات المطارنة الموارنة.
طبعا عانينا وعانى كل اللبنانيين الشرفاء على مر السنوات الطويلة من الانقلاب الاقليمي – الحزب الهي على اوضاع لبنان بغية خطفه واخضاعه لضرورات ما قيل بانها معركة الممانعة والمقاومة لاسرائيل – في وقت كانت القوى الاقليمية المتحالفة على الممانعة والمقاومة تتناتش مصالحها الحيوية – فاذا بقوى "8 اذار" التي استهزأت بشعار "لبنان اولا" تعيش حاليا فصول بداية الرهانات حول "سوريا اولا " و"ايران اولا" – كل يغني على ليلاه – وقد تصالح الفلسطينينون وسحبت اليوم احدى اهم اوراق الصراع الممانع والمقاوم من ايدي التحالف الاقليمي – الحزب الهي مع انضمام حماس الى الوحدة الوطنية مع السلطة الفلسطينية وفتح الفلسطينية.
فاليوم لم يعد شعار "حكومة الاكثرية الجديدة" التي كانت ولا تزال وستبقى اكثرية انقلابية غير ديمقراطية – شعار المرحلة بعدما سقطت تجربة تلك الاكثرية في مهدها وسقطت معها الهالة الاصلاحية والتغييرية التي ارادوا في "8 اذار" اطلاقها على الحكومة العتيدة كما على المرحلة الجديدة منذ 25 كانون الثاني 2011 – فهي كما يقول الرئيس بري – على شاكلته "حالتها بالويل" – لانها بكل بساطة اغتيلت قبل ان يشكلوها بفعل الزلزال العربي والاقليمي المفاجئ الذي افرز:
شعوبا تنادي بالديمقراطية لا بالمقاومة...
شعوبا عربية تنادي بالكرامة والسلام لا بالحرب والمواجهات...
شعوبا تنادي بحكم عادل ومساواة وحقوق الانسان لا بغطرسة السلاح وعدالة النتصر على الضعيف وحقوق الغصب واغتصاب السلطة...
شعوبا عربية انتفضت ضد الظلم والحيف والاستبداد والقهر والقمع...
شعوبا انتفضت من داخل انظمتها بما فيها الممانعة ضد التخلف والفساد والقمع والاستئثار...
شعوبا عربية وقفت ضد الامبريالية غير العربية ورفضت استقدام او استنساخ نموذجها في القاهرة وتونس واليمن وسوريا وليبيا والعراق ...
فمع كل هذه الظواهر كان من الطبيعي ان يسقط مشروع اكثرية القمصان السود في بيروت – ومعها سقط الامل باقتياد لبنان الى نهاية المطاف المهلك من الصراعات والمواجهات المجانية على حسابه وحساب ابنائه ودولته وسيادته واستقراره وسلمه الاهلي... فاذا بانتصارهم الالهي ينقلب الى كابوس... ونسمع همساتهم في بعض المجالس الخاصة ولسان حالهم يقول: " لو لم نتسرع ذلك اليوم وننزل القمصان السود ونستقيل من حكومة الرئيس الحريري ونعود وننقلب على الاكثرية الحقيقية...".
فالزمن تغير... ومعه المعادلات الاقليمية والدولية... فثورة ليبيا استعانت بحلف "الناتو" لتحقيق اهدافها... فلا مكان هناك للحديث عن شيطان اكبر وشيطان اصغر...
وتونس تتخبط في ثورتها الفتية على اساس الليبرالية والانفتاح بدل التقوقع والنظام الاسلامي المتشدد بديلا لنظام بن علي المخلوع ...
والفلسطينيون تصالحوا ودمشق تبارك هذه المصالحة علنا في بيانها منذ ايام... وخالد مشعل قد ينقل مقره الى خارج سوريا ...
والرئيس احمدي نجاد في صراع مفتوح مع المرشد الاعلى للثورة الايرانية السيد علي الخامنئي... والقضية كما يقول المراقبون الايرانيون بلغت مرحلة دقيقة وحرجة على الرئيس الايراني...
وبالامس قتل اوسامة بن لادن... لتطوى معه صفحة داعم رئيس للتطرف...
وفي العراق ثورة لخروج المحتل الاميركي والمحتل الايراني وفصل العراق عن التأثير الفارسي... والاجنبي...
وفي الخليج حرب باردة وقد تسخن في اي وقت بين دول مجلس التعاون والجمهورية الاسلامية الايرانية...
وفي سوريا وضع صعب وخطير يهدد مصير البلاد والنظام...
بعض من المؤشرات والحقائق التي تكفينا لنفهم اكثر فاكثر سر فشل قوى "8 اذار" في تشكيل حكومتها والانطلاق بمسيرة اسقاط المحكمة الدولية والانقلاب الكامل على مكتسبات ثورة الارز ودماء شهدائها... وقد باتت الاحزاب والقوى المنضوية تحت لواء "8 اذار" تتخاصم فيما بينها بالسر او العلن عبر و"يكيليكس" مرجع "حزب الله" المحبب... نفسه...
قلناها منذ اليوم الاول لهم ولم يقتنعوا: لا انقاذ لنا ولبلدنا الا بتوحدنا حول مشروع الدولة... تعالوا الى الدولة... عودوا الى لبنان... فهو المظلة الوحيدة التي تحمينا جميعا...
فكم سيطول "جهلهم " قبل ان يفهموا انه ومهما فعلوا واينما ذهبوا، فبالنهاية لن يصح الا الصحيح...؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك