أرخت "جمعة الدم" الذي سال في كل الكويت وتونس كما فرنسا بثقلها على بيروت التي تلقّفت بقلق كبير "اندفاعة الإرهاب" التي بدت مرتبطة بالدعوة التي وجّهها تنظيم "داعش" قبل ايام الى تكثيف العمليات وجعل شهر رمضان "وبالاً على الكافرين"، وهي الدعوة التي لم توفّر لبنان من خلال دعوة المتحدث باسم "الدولة الاسلامية" أبو محمد العدناني المسلمين فيه كما في العراق والسعودية "إلى الثورة على حكامهم".
وفيما قابَل لبنان تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت بـ"هبّة" تنديد وتحذير من مخططات فتنوية بين المسلمين، مؤكداً بلسان قياداته التضامن مع الكويت بوجه "الجريمة البشعة"، رفعت الأجهزة الأمنية مستوى تأهُّبها في مختلف المناطق اللبنانية وعزّزت إجراءاتها ولا سيما حول دور العبادة كما على الحدود مع سوريا تَحوّطاً لأي عمليات ارهابية يمكن ان يتم تنفيذها ويُخشى ان تفضي الى توتير كبير في الأجواء ولا سيما في ظلّ المناخ المشحون الذي أرساه انكشاف عملية تعذيب سجناء اسلاميين في سجن رومية المركزي.
واذا كان الإرهاب الذي وجّه ضربة موجعة في أكثر من مكان عكس حجم المخاطر التي تتهدّد دول المنطقة والعالم، فان القوى السياسية في لبنان بدت وكأنها تمضي قدماً في سلوكٍ لا يتلاءم ومستوى التحديات المصيرية، وسط استمرارها في سياسة المعاندة و"الرقص على حافة الهاوية" التي تعبّر عن نفسها بصراعات حول ملفات ذات طبيعة "شخصانية" وفئوية فيما البلاد تنزلق نحو أزمة حكم نتيجة تدحْرج كرة الفراغ التي تطيح بالمؤسسات الواحدة تلو الأخرى.
وبدت الأوساط السياسية في بيروت، بحسب صحيفة "الراي" الكويتية، امام مقاربتين لما قد تنطوي عليه تداعيات "فورة الإرهاب" العابر للقارات على الواقع اللبناني الذي تختصره هذه الايام أزمة الحكومة المشلولة على خلفية إصرار العماد ميشال عون مدعوماً من "حزب الله" على رفض بحث اي بند في جدول الأعمال قبل تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش، وهو ما أدخل الحكومة في عطلة قسرية منذ ثلاثة أسابيع.
المقاربة الاولى، ترى امكان ان يدفع الخطر الداهم رئيس الحكومة تمام سلام الى استعجال الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء تعيد الجميع الى "بيت الطاعة" على قاعدة عدم السماح بتفريغ هذه المؤسسة من دورها او تعطيل الدورة المعيشية للمواطنين، على ان يتم طرح ملف التعيينات الامنية الذي لن يحظى بالتوافق المطلوب ليتم الانتقال بعده الى سائر بنود جدول الأعمال رغم عدم موافقة وزراء عون و"حزب الله" على ذلك مع ما يعنيه الأمر من تراجُع عن آلية التوافق في اتخاذ القرارات داخل "الحكومة الرئاسية".
أما المقاربة الثانية فتعتبر ان شدة الاخطار التي تحوط بلبنان ستدفع سلام الى مزيد من التريث في الدعوة الى اي جلسة من دون توافق مسبق على مسارها، وتالياً إعطاء مهلة اضافية للاتصالات لبلوغ مخرج قد يشتمل في جانب منه على الإفراج عن العمل التشريعي في البرلمان.
وترى دوائر مطلعة في بيروت تبعاً لذلك، ان هناك بُعدين متقابلين يتحكّمان بملف الحكومة. الاول ان الاستسلام لمنطق عون سيثير حساسيات لدى الشارع السني على خلفية المس بصلاحيات رئيس الحكومة سواء في الدعوة الى جلسات مجلس الوزراء او وضع جدول الاعمال، كما سيساهم في إضعاف تيار الاعتدال في الطائفة السنية الذي يعبّر عنه الرئيس سعد الحريري، ولا سيما ان "حزب الله" وعون متكافلان ومتضامنان في شّل الحكومة. اما البُعد الثاني فهو ان اي دعوة لجلسة وزارية تطرح بند تعيين قائد جديد للجيش من دون ان تتوافر الاكثرية المطلوبة لبتّه ثم الانتقال رغم اعتراض عون الى مناقشة البنود المعيشية الاخرى الملحّة ستعني تعريض الحكومة لأول صِدام منذ تشكيلها يمكن ان تكون له ارتدادات على صعيد تكريس فقدان آخر "مظلة حماية" مؤسساتية للواقع اللبناني في لحظة خارجية بالغة الدقة، كما على صعيد الشارع وتجييشه مسيحياً تحت عنوان ان "البلد ماشي" بلا رئيس للجمهورية وبلا مكوّن رئيسي يعبّر عن المسيحيين، اي "التيار الحر" الذي كان ذهب في معرض "اللعب على حافة الهاوية" الى استحضار الفيديرالية كخيار "انفصالي" تراوح قراءته بين كونه رفعاً لسقف التفاوض او تعبيراً عن رؤية استراتيجية للواقع اللبناني في ضوء الوقائع المتحولة في المنطقة.
وتبعاً لذلك، ستشكّل الايام القليلة المقبلة فسحة لمزيد من المشاورات التي لها موعد مهم مع لقاء قريب بين سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي بدا بدوره أقلّ اندفاعاً لتغطية جلسة حكومية "بمَن حضر" او خارج توافقات الحد الادنى وذلك بما يحفظ حق رئيس الحكومة في الحؤول دون التحاق مجلس الوزراء بالمؤسسات "العاطلة عن العمل" ويسحب في الوقت نفسه فتيل امكان توظيف اي جلسة لتفجير الوضع مع ضمان ايضاً استئناف العمل التشريعي في البرلمان.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك