كما في لبنان... كذلك في الولايات المتحدة الاميركيّة. ليس جميع اللبنانيين المغتربين يوافقون البطريرك الجديد تصوّره لكيفيّة حماية الوجود المسيحي الاقلوي في المنطقة. في بعض الولايات تنشط الجالية لتأمين استقبال لائق لسيّد بكركي، لكن العديد من افرادها يمنّون النفس بأنّ يخلع القادم من بلاد الارز "ثوبه الباريسي" حين يطأ أرض العمّ سام. الأدق القول إنّ قسماً من هؤلاء يتوقعون خطاباً بطريركيّاً لا يستفزّ البيت الابيض والكونغرس ولا يستفزّهم على غرار مقاربته في فرنسا لمسألتَي سلاح حزب الله والازمة في سوريا التي أعاد التأكيد عليها اثر عودته الى لبنان.
برنامج زيارة الراعي الى الولايات المتحدة الاميركيّة الذي وزّعته دوائر بكركي لم يتضمّن لقاءً كان موعوداً مع الرئيس الاميركي باراك اوباما، بعد الغاء المحطّة الاولى من هذه الزيارة الراعويّة وهي واشنطن. سريعاً وصلت أصداء الالغاء الى العاصمة الاميركيّة، حيث أعربت المجموعات اللبنانيّة الناشطة في التحضير لهذه الزيارة عن انزعاجها من عدم حضور البطريرك الراعي، معتبرةً أنّه كان بالامكان للبطريرك ألا يجتمع بالرئيس الاميركي، وفي الوقت عينه أن يلتقي الجالية اللبنانيّة هناك التي أبدت اهتماماً استثنائيّاً بالزيارة خصوصاً أنّه كان من المتوقع أن يعرّج على بازيليك المزار الوطني للحبل بلا دنس في واشنطن العاصمة بعد افتتاح "كابيلا" سيدة لبنان في البازيليك في الثالث والعشرين من ايلول الجاري.
تبدو الصورة معاكسة تماماً للزيارة الاخيرة التي قام بها البطريرك نصرالله صفير الى الولايات المتحدة الاميركيّة في أيّار من العام 2008 حين التقى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون والرئيس الاميركي السابق جورج بوش في البيت الابيض، يومها حظي سيّد بكركي من العاصمة الاميركيّة بحفاوة استثنائيّة وعاد الى لبنان برزمة مواقف أكثر تشدّداً حيال سلاح حزب الله. وتبدو الصوة أكثر نفوراً إذا ما صدقت بعض المعلومات التي تحدّثت عن أنّ تقرير السفيرة الاميركيّة مورا كونيللي عن محضر لقائها الاخير مع البطريرك الراعي في التاسع عشر من ايلول الجاري شكّل "العجينة" التي اختمرت لاحقاً وأدّت الى عدم تحديد الرئيس الاميركي موعداً للقاء الراعي، وبالتالي استدعت ردّ فعل فوري من قبل بكركي بالغاء الزيارة الى واشنطن. إلا أنّ معلومات أخرى تحدّثت عن ابلاغ السفيرة كونيللي البطريرك في لقاء بكركي عن ضرورة عودتها بـ "إيضاحات" في ما يتعلّق بتصريحات الراعي في فرنسا، كمدخل حتميّ للقاء اوباما. الجواب صدر بعد أيّام عن بكركي بالغاء الزيارة الى واشنطن...
وفي السياق نفسه، كشفت مصادر مطّلعة في واشنطن عن أنّ القنوات الدبلوماسيّة بين فرنسا والولايات المتحدة فتحت على خطَّي البلدين بمبادرة من وزارة الخارجيّة الأميركيّة التي طلبت تزويدها المحضر الرسمي لمضمون المحادثات التي جرت في قصر الاليزيه لكي يصار إلى تكوين صورة مسبقة عمّا يطرحه البطريرك الجديد من مواقف تتّصل بقضايا أساسيّة تتابعها الولايات المتحدة عن كثب في المنطقة.
ونتيجة القنوات الدبلوماسيّة بين واشنطن وباريس واللقاء العاصف بين السفيرة كونيللي والبطريرك الراعي، تؤكد المصادر بأنّه جرى حسم القرار النهائي لدى الادارة الاميركيّة بالنسبة الى شكل ومستوى اللقاءات الرسميّة التي ستكون في جدول زيارة البطريرك الراعي، تحديداً إلى واشنطن، حيث أنّه لم يحدّد له أيّ موعد رسمي.
وتكشف المصادر عن "استغراب أميركي رسمي ممّا طرحه البطريرك حول النظام في سوريا وسلاح حزب الله"، كونها مواقف لا تتطابق مع مواقف الولايات المتحدة التي ترى "أنّه أعطيت للأسد الفرصة الكافية للإصلاح ولم يبادر الى فعل المطلوب بل واجه شعبه بالقتل".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك