نشرت صحيفة "وال ستريت جورنال" الأميركية مقالاً باللغة الإنكليزية بعنوان "ليس للأسد أصدقاء بين مسيحيي لبنان" كتبه كريم أنطوان سعيد، و"المستقبل" تنشره مترجماً هنا:
قتل الديكتاتور السوري حتى الآن ما يقارب الثلاثة آلاف شخص، واعتقل قرابة السبعين ألفاً في محاولة لقمع تحرك قوى المعارضة في بلاده. ليست الأزمة خاصة بسوريا، وبالمنطقة فحسب، إنها أزمة للإنسانية وللبشر من مختلف المعتقدات، وهذا ما رأته الكنيسة المارونية في لبنان. لطالما ساندت الأغلبية المسيحية في لبنان التحرر من الدكتاتورية والاحتلال العسكري، وربطت نفسها بثورات الشباب العرب في مواجهة قادتهم الطغاة، كالنضال الذي بدأ في لبنان عام 2005 مع ثورة الأرز.
لكن رأس الكنيسة المارونية الحالي البطريرك الماروني بشارة الراعي إلتفّ على هذه المبادئ الأساسية في الفترة الأخيرة. فخلال زيارته الى فرنسا في الأسبوع الماضي، طالب البطريرك المجتمع الدولي بإعطاء الديكتاتور السوري فرصة للإصلاح، ووصف الأسد بـ"المنفتح عقلياً". قال الراعي إن "المسكين لا يمكنه القيام بالمعجزات. ما نطلبه من المجتمع الدولي وفرنسا هو عدم التسرع بإصدار قرارات تدعو الى تغيير النظام في سوريا".
ببضع كلمات فقط، قوّض الراعي صراعات الملايين من الموارنة، موقظاً ذاكرة تضج بآلاف الشهداء الذين اغتالهم النظام السوري، وحطّم آمال العديد من اللبنانيين. بشار الأسد هو ديكتاتور من العائلة نفسها التي اضطهدت لبنان لثلاثين عاماً. وهو اليوم يحارب شعبه بالدبابات والطائرات والمدفعية. وبرغم ملاحظات الراعي، ليس للأسد أصدقاء بين موارنة لبنان.
قد يكون البعض نسي تاريخ العنف السوري ضد المسيحيين اللبنانيين. أنا لم أنسَ. لقد ترعرعت في لبنان الذي كان في عز الحرب في السبعينات والثمانينات، ولم أعرف شيئاً سوى المجازر السورية. في مطلع شبابي، كنا نهرب باستمرار من ملجأ الى آخر، بعيداً عن القصف والسيارات المفخخة والاغتيالات التي كان الجيش السوري في لبنان يرتكبها ضد المسيحيين. لم يرتكز العنف الذي ارتكبته سوريا على أسس دينية بحتة. لم يكن العنف الذي ترتكبه سوريا قائماً على أسس دينية بحتة. لا "عقدة اضطهاد" هنا، بمعنى أنها تعمدت إثارة مخاوف المسيحيين فحسب. سوريا هي جزار ساوى بين جميع اللبنانيين الذين تجرأوا على رفع أصواتهم منادين باستقلال بلاد الأرز.
ولكن القادة السوريين يستهدفون المسيحيين بشكل خاص. المسيحيون هم أول من تعرض للاضطهاد كلما كانت هناك إشارات على معارضتهم للنظام. في عام 1978، نجوت من حرب المئة يوم في الأشرفية وهي الضاحية المسيحية في بيروت. وكان حال الأشرفية كحال حمص وحماة والمناطق النائية في سوريا اليوم، مدينة محاصرة، محرومة من الغذاء والماء، وتتعرض لقصف عنيف بالرشاشات الثقيلة والمدفعية والدبابات. توفي العديد من أصدقائي الشباب في مثل هذه المعارك.
وبعد بضع سنوات، وفي العام 1981 تحديداً، حاصر الجيش السوري زحلة وهي معقل المسيحيين في وادي البقاع. لقد حرم سكان المدينة من المياه والحاجيات الأساسية في وقت هاجم الجيش السوري المدافعين عن المدينة بكل أنواع القوة. لقد فقد العديد من أصدقائي حياتهم خلال ذاك الصيف في دفاعهم عن أرضهم التاريخية وحقهم بالحرية. في العام 1982، اغتال الجيش السوري الرئيس اللبناني المسيحي المنتخب حديثاً من دون إبداء أي إشارات أسف أو مساءلة أو ندم. بالنسبة لسوريا، المسألة كانت عملاً عادياً.
وصولاً الى العام 2005، شهد لبنان تحت الاحتلال السوري عمليات اغتيال عديدة من بينها اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري. تبع ذلك حملة ترهيب في المناطق المسيحية من خلال عمليات تفجير ليلية. ماذا كانت الرسالة السورية؟ يمكننا قتل زعيم سني، لكن إذا دعا المسيحيون لانسحابنا من لبنان، فمصيركم سيكون قاتماً أكثر على يد أخوانكم اللبنانيين السنّة.
لقد عارض هذه الرسالة بشدة، قادة ثورة الأرز المسيحيون والمسلمون على السواء، الذين تكاتفوا عقب اغتيال الحريري. وحارب هذه الرسالة بالعزم نفسه البطريرك نصرالله صفير رأس الكنيسة المارونية في حينها. وكان البطريرك صفير يدعو منذ العام 2000 لانسحاب الجيش السوري من لبنان وللوحدة المسيحية الإسلامية في لبنان. خلال عهده، كان رأس حربة تحرك توّج بانسحاب الجيش السوري بعد 30 عاماً من الاحتلال 30 عاماً من نشر الفساد وتدمير النسيج الاجتماعي اللبناني وتحويل غالبية طبقته السياسية الى مجرد خدم لدى السوري.
لقد وقف قادة موارنة الى جانب سوريا أيضاً. في 29 أيار 1945، قصفت فرنسا دمشق وحاولت اعتقال قادتها المنتخبين ديموقراطياً. في ذلك اليوم، كان رئيس الوزراء السوري فارس الخوري مشاركاً في أعمال المؤتمر التأسيسي للأمم المتحدة في سان فرانسيسكو يقدم طلب سوريا للاستقلال من الانتداب الفرنسي. وترك الأمر للبطريرك بطرس عريضة لمعارضة الهجمات الوحشية وشجب الهجوم الفرنسي البربري ضد المدنيين. لقد تم الترحيب بخطاب البطريرك عريضة في ذلك اليوم في المسجد العمري في دمشق من قبل المصلين المسلمين الذين لم يكن لديهم صوت للدفاع عنهم باستثناء صوت البطريرك.
الكنيسة المارونية ليست قلعة للديموقراطية. لكن الكنيسة كانت دائماً رائدة في الدفاع عن لبنان المستقل، الحر من أغلال القوى الخارجية أكانت تركية، فرنسية أم سورية. وكانت الكنيسة لعقود طويلة متوافقة مع القوميين العرب الذين يتوقون للتحرر من الاحتلال الديكتاتوري والعسكري.
لذا عندما يقول البطريرك الراعي إن على المجتمع الدولي عدم معارضة المجازر التي يرتكبها بشار الأسد، فإن الموارنة حول العالم يعرفون معنى ذلك أكثر من غيرهم. لقد بدأت للتو معركة اللبنانيين المسيحيين ضد الميليشيات غير الشرعية، والسياسيين الخدم، ورؤساء الدول المارقين
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك