تشهد الساحة السياسية الشمالية في الآونة الأخيرة انحساراً "للتحركات التضامنية مع الشعب السوري"، مترافقاً مع تراجع ملحوظ لحدة الخطاب السياسي المعادي للحكم في سورية من نواب وقياديي حزب "المستقبل" ومن يدور في فلكه، ما خلا بعض الخطب التي يطغى عليها "الطابع الإنساني" ليس إلا.
كذلك تؤكد مصادر متابعة انحسار عقد اجتماعات "المستقبل" وأتباعه مع بعض "المعارضين السوريين"، وبالتالي تلاشي الأعمال التحريضية التي تستهدف الاستقرار السوري.
وفي هذا الصدد، يعتبر مصدر شمالي مطلع على سير الأحداث، أن هذا التراجع هو نتيجة اقتناع بعض دول ما يسمى بـ"الاعتدال العربي"، والتي لها تأثير في لبنان عموماً، وفي سياسة فريق 14 آذار خصوصاً، بفشل المؤامرة على سورية، وبالتالي التعاطي مع هذا الواقع من خلال التراجع التدريجي في الأعمال العدائية ضد دمشق، وأبرزها الحرب الإعلامية التضليلية، والتي كان أول الغيث فيها، إقالة إعلاميين من كبار مسؤولي الأخبار والبرامج السياسية في قناة الجزيرة.
واعتبر المصدر أن الواقع الذي التمسته "دول الاعتدال" انسحب على خطاب "المستقبل".
وفي هذا السياق، يؤكد زوار دمشق أن سورية تخطت الأزمة، وهي الآن في صدد تنظيم ورشة إصلاحية شاملة في مختلف القطاعات، وأنها ستتحول في وقت قريب إلى نموذج يحتذى في الحياة الديمقراطية، ومكافحة الفساد.
وبالعودة إلى السياسة الحريرية، فمن يتابع خطاب "المستقبل" يرى أنه مرتكز دائماً على "ردود الفعل" والمراهنات على المشاريع الخارجية، كعدوان تموز والمحكمة الدولية، وسقوط الحكم في سورية، بالإضافة إلى استخدام لغة التحريض المذهبي، والتجارة بدماء الشهداء، هذا ما أكدته ممارسات الحريريين خلال الاستحقاقات الانتخابية الفائتة، وتحركاتهم التخريبية غداة خروج زعيمهم الرئيس سعد الدين الحريري الديمقراطي من الحكم.
إن هذا النهج المذكور سيواجه السقوط الحتمي لا محال، وسيؤدي إلى نهاية غير سعيدة لـ"الحريرية السياسية"، التي ارتبطت بجملة مشاريع خارجية مشبوهة، بدأت تتداعى واحدة تلوى الأخرى، وشارفت نهايتها، بدءاً من فشل عدوان تموز، مروراً بانعدام تأثير قرارات "المحكمة الخاصة بلبنان" على العيش الواحد، وصولاً إلى سقوط المؤامرة على سورية.
مقابل الفشل المستمر للسياسة الحريرية، وانحدار خطابها السياسي، الذي لم يوفر حتى المقامات الدينية من الاتهامات والتخوين، وكل "ذنب" هذه المقامات أنها تدعو إلى تغليب لغة الاعتدال والانفتاح والحوار على التطرف وردود الفعل الغرائزية، ولو أتت صحوة بعضها متأخرة، يعزز الفريق السُّني الآخر، وعلى رأسه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حضوره السياسي والشعبي في مختلف المناطق اللبنانية، وفي الشارع السني خصوصاً، وتحديداً لدى علماء الدين.
وفي هذا الصدد، أقام ميقاتي معهداً جامعياً للعلوم الشرعية في منطقة القلمون، ويسعى إلى تحييد رجال الدين المسلمين عن الصراع السياسي، لإبعاد شبح الفتنة المذهبية عنه، الأمر الذي لاقى ترحيباً كبيراً من العلماء، وهذا ما ظهر جلياً من خلال خطب الجمعة لأئمة المساجد مؤخراً، والتي تدعو إلى نبذ الفتن، وتغليب لغة العقل على الممارسة السياسية.
وفي سياق مسألة تراجع حضور الحريرية لدى الشارع السُّني، كشف مرجع حزبي معني بالاتصالات بين إسلاميي 8 و14 آذار، أن التواصل بين أطراف الفريقين مستمر، للتوصل إلى رؤية مشتركة للقضايا المطروحة على الساحتين الداخلية والإقليمية، وتفعيل دور الإسلاميين في الحياة السياسية المحلية.
في المحصلة، أثبتت الحريرية فشلها في مختلف المجالات السياسية الاقتصادية والاجتماعية، فالحريري لن يعود عبر مطار دمشق، وميقاتي لن يخرج من الحكومة بسبب تباين وجهة نظره مع أحد مكونات حكومته، وهذا التباين بين الأفرقاء المكونة للحكومة، ما هو إلا نقيض لادعاءات "المستقبل" وأتباعه بأنها حكومة الحزب الواحد.
فالحكومة باقية، والثنائية السُّنية تتعزز، والحريرية إلى مزيد من الانكفاء.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك