في زمن القحط وتراجع مستوى الخطاب السياسي وترهل المؤسسات والجدل البيزنطي الدائر منذ زمن، لعل من المفيد التوقف عند واقعتين: الاولى، الزيارة التفقدية التي قام بها قبل يومين سفير بلجيكا في لبنان يوهان فيركامن لبلدات حدودية في منطقتي النبطية ومرجعيون لمناسبة "اليوم العالمي للوقاية من أخطار الألغام والقنابل العنقودية"، والتي تفوق في أهميتها أكبر كمية من الخطب الرنانة والتصريحات العنترية للمسؤولين والسياسيين أو متعاطي السياسة ولاسيما أولئك الذين يزايدون على الجميع من دون استثناء، حتى على ضحايا هذه الالغام والقنابل!
ولم يشأ السفير أن تكون جولته اعلامية – استعراضية بل أعطاها معنى ومضموناً، إذ تولّى بنفسه تفجير كمية من الألغام في حقل يقع في خراج بلدة ميس الجبل، وقد أعطى درساً للساسة اللبنانيين، مسؤولين ووزراء ونواباً، في دعم صمود الاهالي في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية ومخلفاتها، وهذا ينطبق بالطبع على ممثلي المناطق الانتخابية في الجنوب قبل غيرهم، ويسري بالتأكيد على الجميع، ولاسيما من يبالغون في المزايدة.
وخلال زيارة لـ"المركز الاقليمي اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام والقنابل العنقودية" التابع للجيش اللبناني في ثكنة عصام شمعون في النبطية، أعلن السفير تقديم بلاده هبة مالية بقيمة مليون أورو لتعزيز قدرات المركز. ولم يكتفِ بإلقاء خطاب، بل أعطى درساً لكل من يهمه الامر، محلياً وعربياً واقليمياً ودولياً، وقد سجل لبلاده الاهتمام الأبرز بعد اهتمام مماثل برزت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا المجال. ومن حسن الحظ أن موكب السفير والوفد المرافق لم يتعرض لاعتداء أو لجريمة خطف في طريق الذهاب والإياب، كما حصل في منطقة البقاع مع الدراجين الاستونيين السبعة السيئي الحظ من دون مواكبة أمنية، ولا يزال مصيرهم مجهولاً منذ نحو عشرين يوماً!
وأما "الواقعة" الثانية، فكانت من خلال خبر ورد من لندن أمس ويشكل درساً للحكام والمسؤولين وكبار القوم في لبنان والعالم العربي وسائر العالم، وهو أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون اختار للسفر الى اسبانيا مع زوجته في رحلة عائلية خطوط "رايانير" الشعبية التي لا تقدم حتى أبسط الخدمات في رحلاتها، وحلاّ في "فندق عادي متوسط الكلفة" وفق المتحدث باسم 10 داوننغ ستريت، مع الاشارة الى أن الرحلة بالطائرة من لندن الى ملقا في اسبانيا على الخطوط المذكورة تكلف 152 جنيهاً استرلينياً (245 دولاراً) للشخص الواحد. وقد اعتمد رئيس وزراء بريطانيا التقشف في رحلته وعدم اظهار البذخ احتراماً لمشاعر شعبه "في وقت تعاني الأمة خفضاً مؤلماً في الإنفاق على الخدمات العامة"! وقد أُرفق الخبر بصورة لكاميرون وزوجته وهما ينتظران موعد إقلاع الطائرة في صالة الركاب في المطار كسائر خلق الله، وأخرى لهما يتنزهان في شوارع غرناطة بلباس بسيط، بعيداً من مظاهر البهرجة والمواكبة الأمنية وإزعاج الناس. إنه بالفعل درس حقيقي، ولاسيما في الدول التي تشهد انتفاضات وثورات شعبية.
مثلان غربيان في الوقت الضائع، وفي انتظار حل العقد ومشاكل الحصص عند أصحاب الشروط تمهيداً للافراج عن الحكومة في لبنان، وجديدها بداية انفراج وحل مشكلة وزارة الداخلية على ألا تكون "من حصة" رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون ولا "من حصة" الوزير الحالي زياد بارود، على أن يختار رئيس الجمهورية "اسماً مقبولاً من الجميع" وفق مصادر مواكبة لعملية تأليف الحكومة، وهي تتوقع أن يتصاعد الدخان الابيض خلال الايام القليلة المقبلة "إذا استمرت الاجواء في المنحى الايجابي ولم يطرأ جديد"!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك