يشاع في لبنان - والبعض يردّ مصدر الشائعة إلى جميل السيد نفسه - أن اللواء جميل السيد هو الذي أوصل العماد إميل لحود إلى سدة الرئاسة.
حقيقة الأمر التي لا يجادل فيها اثنان أن إميل لحود، كان ولا يزال خيار النظام السوري الأمثل لحكم البلد. النظام السوري أراد أن ينسخ نسخة مصغرة عن تكوينه ويعمّمها على لبنان.
باختصار، كان يريد بناء دولة أمنية تتحكّم أجهزة الأمن بكل مفاصلها. اللواء جميل السيد كان بين ضباط قلائل أكثر من مناسب لهذه المهمة، فهو، على ما يقال عنه، حاد الذكاء، وشديد الطموح ولا يتورّع عن فعل أي شيء تحقيقا لطموحه.
في الفترة التي أدار فيها مؤسسة الأمن العام اللبناني، كان مجرد ذكر اسمه يبثّ الرعب في قلوب المواطنين فضلا عن بعض السياسيين. ويقال إنه كان يجعل النواب الذين يريدون مراجعته في شأن ما ينتظرون، قبل أن يحدد لهم موعداً لمقابلته، أسابيع طوالا.
إلى هذا كان لا يتردّد في مخاصمة السياسيين الكبار والدسيسة ضدهم. علاقته بالرئيس نبيه بري خصوصا كانت تشوبها معارك يضرب فيها الطرفان في الخواصر.
بعض المتابعين لتاريخ اللواء السيد يقولون إنه كان لا يحسب حسابا لأحد من السياسيين أو الأمنيين، وكان على أتمّ الاستعداد للدخول في معارك معهم إذا دعت حاجته إلى ذلك أو رأى في ذلك مصلحة له. واللواء السيد الذي كان أول شيعي يتسلم منصب المدير العام للأمن العام في تاريخ لبنان استطاع أن يحيط نفسه وتالياً جهاز الأمن الذي أداره بهالة الشخص المرهوب الجانب، والذي يحسب لغضبه ألف حساب.
ساعده في ذلك، من دون شك، رغبة سورية في جعل الحكم اللبناني نسخة أمينة عن الحكم في سوريا، وهذا ما جعل موظفاً رفيعاً في الإدارة اللبنانية يظهر أكثر قوة من وزير الوصاية بصرف النظر عن شخصية الوزير، فضلا عن أنه ناصب زعماء البلد جميعا العداء، وهذا ضرب من السلوك في بلد كلبنان يودي بصاحبه إلى المهالك.
لكن الوصاية السورية، التي أصبحت في عهد الرئيس لحود شاملة لكل الميادين في الدولة والمجتمع، كانت ترى في تصدر رجال الأمن والعسكر على رجال السياسة والمجتمع أنسب الطرق لإدامة السيطرة المطلقة على لبنان، على نحو ما تسيطر أجهزة الأمن على سوريا، مجتمعا وإدارة وحياة سياسية.
اليوم يصيح اللواء السيد بأعلى صوته، لكن صيحاته كلها لم توصله إلى وزارة العدل التي صرح برغبته في الوصول إليها لقناة "الجزيرة" بعيد إطلاق سراحه من سجن رومية. ذلك أن ما فعلته ثورة الأرز لم يكن أقل من ضرب هيبة الأجهزة الأمنية اللبنانية كلها، ورفض المسلك السوري الذي يريد وضع لبنان تحت وصاية ضباط المخابرات اللبنانيين والسوريين رفضا لا عودة عنه.
اليوم يحاول النظام السوري استعادة دوره في لبنان، وقد يكون نجح إلى حد بعيد في استعادة جزء كبير من سطوته على الداخل اللبناني، لكن الأدوات التي يستعملها لاستعادة الهيمنة هي الأدوات نفسها التي استعملها قبل وصول لحود إلى السلطة. أي الأحزاب المسلحة والتهديد بالحروب الأهلية والحديث الذي لا يُملّ منه عن الفتنة وهو حديث من طرف واحد على كل حال.
الأرجح أن اللواء جميل السيد ما زال على طموحه، لكن الثابت أن النظام السوري لم يعد يملك الطموح نفسه، بعدما نجحت ثورة اللبنانيين في تدمير إنجازاته ومنع تحويل لبنان إلى دولة أمنية يحكمها ضباط المخابرات.
فإذا سُئل أي سياسي مخضرم في سوريا كيف يمكنك أن تحكم بلداً؟ سيجيب من دون شك: ابن أجهزة أمن قوية وامنع عنها أي محاسبة من أي نوع. لكن النصيحة الثانية ستكون حتماً: فرّغ القضاء من مضمونه واجعل من القضاة كتبة ديباجات تبرر قانوناً ما لا يمكن تبريره.
على هذا كان من حظ القاضي الطموح أن يصبح وزيرا لتكون مهمته تطويع القضاء لخدمة الأمن . وكان من حظ الضابط الطموح أن أصبح القاضي والجلاد في دولة لبنان الأمنية في عهد الجنرال فخامة الرئيس السابق إميل لحود.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك