رغم أن لجنة الإدارة والعدل النيابية أقرت اقتراح خفض السنة السجنية بالإجماع، أسقط مجلس النواب أمس الاقتراح بالضربة القاضية، إذ لم يحظَ سوى بدعم نواب حزب الله وحركة أمل والنائب روبير غانم. فهل ثمة من يريد إشعال السجن من جديد؟
غداً، قد يشتعل سجن رومية غضباً، ويختلط حابل الشغب بنابل الظلم. وربما، ستُسفك دماء بعض المتكدسين خلف القضبان، كما حصل قبل أشهر، بعد إذلال النفوس وسحق الكرامات. إن حصل ذلك، وهو مُرجّح، فعلى نواب الأمة الذين رفضوا قانون خفض السنة السجنية في مجلس النواب، أمس، أن يخرجوا لمواجهة الرأي العام، وقبله أهالي السجناء، الذين لا يرون فيهم سوى أسباب أدّت إلى مراكمة الظلم.
فقبل نحو أسبوع، قطع السجناء الأمل من إقرار أي قانون عفو عنهم. علموا أن نواب الأمة ليسوا في وارد تمرير أي من القوانين المطروحة في هذا الموضوع، فعزّوا أنفسهم بقانون خفض السنة السجنية من 12 شهراً إلى 9 أشهر. هذا القانون، البقية الباقية من الأمل، الذي أقرته لجنة الإدارة والعدل مطلع العام الجاري، سقط أمس في الجلسة التشريعية لمجلس النواب. ولفتت مصادر معنية بالملف إلى أن قوى 14 آذار أرادت من خلال إسقاط الاقتراح أن تبقي ملف السجون متوتراً ليشتعل في أي لحظة بوجه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. لكن ما لم يجد تفسيراً له، هو موقف التيار الوطني الحر، وخصوصاً أن العميد الموقوف فايز كرم قد يستفيد من هذا القانون في حال صدور حكم بإدانته قبل نهاية الشهر الجاري.
لماذا لم يُقر القانون المذكور؟ المشروع عُرِض على لجنة الإدارة والعدل فأقرته بالإجماع. ولذلك، لم يكن أحد يتوقع أن يعترض بعض النواب على إقراره أمس. فمن مداخلة النائب بطرس حرب، إلى كلمة النائب سمير الجسر ومطالعة الوزير نقولا فتوش، مروراً بموقف لكتلة التغيير والإصلاح على لسان النائب آلان عون، لم يكن للاقتراح إلا أن يسقط. وبعد دقائق على إذاعة الخبر، وضع حرّاس سجن رومية أنفسهم على أهبة الاستعداد لأي ردّ فعل من جانب السجناء، الذين تمكن بعضهم من الاتصال بـ«الأخبار» عبر هواتف مهربة، ناقلين «الأجواء الملتهبة والمتوعدة». كذلك اتصل بعض من أهالي السجناء متوعدين بأن الأرض ستشهد تحركات «مع إعلان يوم غضب رداً على النواب جميعاً». وليلاً، بدأ بعض السجناء التداول في ما سيقومون به من أجل الرد على ما قام به نواب الأمة، لكن سجن رومية ظل حتى منتصف الليل هادئاً، رغم أن بعضهم كان يشدد على ضرورة بدء الإضراب عن الطعام.
إلى ذلك، استطلعت «الأخبار» آراء بعض النواب الذين رفضوا الاقتراح. لم يقل أحد منهم أنه ضد إعطاء السجناء حقوقهم، ولكن «لا يجوز تجاوز القانون». هكذا، بدا موقف النائب الجسر مبهماً، وخصوصاً عندما يعلل سبب رفضه بورود عبارة في القانون تتحدث عن «تخفيف الاكتظاظ»، فيما يريد النقيب السابق لمحامي الشمال أن يكون السبب منطلقاً من «سياسة الرحمة التي تترافق مع مراقبة سلوك السجين». إذاً، سبب رفض الجسر شكلي بامتياز، علماً بأن آخر ما يهم السجناء هو الشكليات. هم يريدون رحمة وإنصافاً بعيداً عن الزحمة، مهما تكن العناوين والمسارات المؤدية إلى ذلك. السجناء يحبون «أكل العنب» بالمبدأ، لكنهم قد «يضطرون إلى ضرب الناطور»، على حد تعبير أحدهم أمس.
من جهته، علل النائب عون سبب رفضه، وهو موقف كتلته أيضاً، بضرورة «عدم المس بالتشريع»! بدا عون كمن لا يعرف مغزى العبارة التي قالها، وخصوصاً أن دور مجلس النواب هو التشريع، وتعديل التشريعات حسب المصلحة العامة. وذكّر عون بآلية مساعدة السجناء القاضية بإحالة طلباتهم إلى لجنة تنفيذ القوانين التي تحدد من هو المستحق لتخفيف العقوبة. لكن فات النائب أن ثمة اقتراحات تدرس اليوم في اللجان النيابية لتوسيع عمل هذه اللجنة، بعدما تبيّن أن نسبة قليلة جداً من السجناء تستفيد منها، بسبب الاستثناءات الكثيرة لأنواع مختلفة من الجرائم.
النائب سامي الجميل كان من المعترضين أيضاً. ولكن بعد سؤاله عن سبب اعتراضه، أظهر أن لديه إجابة أقرب إلى المنطق. قال إن جعل السنة السجنية 9 أشهر لا يحل مشكلة الاكتظاظ في السجون، وهذا المطلب وارد في الأسباب الموجبة. برأي الجميّل أن هذا الاقتراح يستفيد منه المحكومون فقط، أما الموقوفون، وهؤلاء نسبتهم حوالى 70% في سجون لبنان، فلا يستفيدون وهم سبب الاكتظاظ الأول، إضافة إلى الأجانب الذين تنتهي مدة محكوميتهم ولا يعادون إلى بلادهم. لكن إقرار الاقتراح كان سيخفف الاكتظاظ، ولو قليلاً، فلماذا التنصل منه تماماً؟ لا يجد الجميّل جواباً سوى ما قاله بداية.
في مجلس النواب أمس، كان النائب نوار الساحلي، من القلة المؤيدة للاقتراح، والتي ضمت إليه النواب: غسان مخيبر وروبير غانم وغازي زعيتر. وفي اتصال مع «الأخبار» قال الساحلي إنه «أصبح اليوم بإمكان السجناء معرفة من يقف ضد قوانين العفو عنهم، بل وقوانين التخفيف عنهم. نحن قمنا بما علينا، ولكن للأسف يبدو أن البعض لا يتفاعل إلا عندما تحصل هناك مشاكل على الأرض. فليغرقوا اليوم في التنظير القانوني، ولكن كان عليهم أن لا يطلقوا الوعود للسجناء وأهاليهم». أضاف الساحلي: «من جهتي، ومن أمثل، لن نترك السجناء وحدهم، وسنسعى إلى خفض العقوبات مع أكبر قدر ممكن من الاستثناءات. وأقول لمن يريد المزايدة في موضوع جعل السنة السجنية 9 أشهر، هل لبنان أفضل من ألمانيا وفرنسا في هذا المجال؟». وختم بالكشف عن رسالة نصية وصلت على هاتفه الخلوي، كتبها أحد السجناء قائلاً: «إذا لم يقرّ العفو فسنحرق السجون، وبعلبك الهرمل، ونعلن عصياناً ولو وقع الدم. لم يعد هناك من شيء نخسره. يا نواب الأمة الكرام. بلّغ زملاءك ورمضان كريم».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك