يتابع حزب الله مسلسل الألاعيب الأمنية التي امتهنها من دون كللل وملل والتي يبعث من خلالها برسائل متعددة الأوجه للداخل والخارج. ولا تخرج حادثة الرويس- الحي الأبيض والتي جرت في عتم ليل 29-30 تموز عن هذا الإطار بل جاءت لتؤكد أن حزب الله لا تنقصه الخدع البهلوانية كي يطيل من عمر دوليته الأمنية ويسوغ لنفسه بسط المزيد من الهيمنة والحلول محل الدولة الشرعية. واذ تناقضت الاخبار حول حقيقة ما حصل في تلك الليلة، يبقى المجال مفتوحاً للكثير من التأويلات بغياب مصدر امني مستقل عن حزب الله قادر على قطع الشك باليقين.
فبحسب مصادر مقربة من حزب الله،فأن الانفجار الذي حدث في احد الشقق في منطقة الرويس – الحي الأبيض في الضاحية الجنوبية لبيروت ناجم عن انفجار قنبلة يدوية الصنع موجهة لأحد قيادات حزب الله، الأسير المحرر سمير القنطار الذي يقطن المكان الذي حصل فيه الانفجار.
واضافت تلك المصادر ان القنطار جرح في الانفجار وأصيب في يديه على الأقل باصابات طفيفة وجرى نقله على وجه السرعة بعيداً عن المنطقة في وسط الطوق الأمني الذي ضرب عقب الانفجار.
وتنفي تلك المصادر ما جرى نشره من قبل حزب الله في الإعلام من أنّ ما حدث جاء بفعل تسرب في الغاز وأنّ المنزل المستهدف هو لأحد افراد آل المقداد (وهو بقرب الشارع المعروف باسم حي المقداد، وهي من اوسع عائلات البقاع نفوذاً). والمرجح ان يكون هذا المنزل بالفعل ملك لآل المقداد ولكن الحزب يستعمله كملجأ آمن لقياداته، ولم يسمح للسلطات اللبنانية بالاقتراب من المكان إلا في اليوم التالي من الانفجار.
ومنذ اطلاق سراحه على أثر المفاوضات التي حصلت عقب حرب تموز 2006، انخرط سمير القنطار في صفوف حزب الله بعد إعلان تشيعه وزواجه من المذيعة في قناة العالم الإيراني زينب برجاوي. وقد نقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن مصادر استخباراتية مطلع هذا العام أنّ القنطار قد انضم لوحدة العمليات الخارجية في الحزب حيث انخرط في عمليات تمويل وتسليح ودعم للجماعات االفلسطينية المقاومة لاسرائيل في الداخل الفلسطيني. وتم تسريب انباء عن أنّ القنطار زار غزة عدة مرات حيث شارك بتهريب اسلحة ومن تدريب عناصر وتجنيدهم لصالح حزب الله من خلال علاقاته مع الأسرى الفلسطينيين بعد عقود قضاها في السجون الإسرائيلية.
ولكن المفاجأة التي تكشف عنها هذه المصادر هي أنّ الوحدة الأمنية الخاصة في حزب الله هي من تقف وراء هذا الانفجار والذي قد يكون حدث بالتنسيق مع القنطار من اجل ايصال مجموعة رسائل لعدة جهات: الأولى للدولة اللبنانية ومفادها أن الحزب ما زال مستهدفاً بكوادره وافراده وعليه بالتالي الحفاظ على امنه الخاص وحماية مقراته بنفسه منعاً لحصول خروقات في ضوء اكتشاف الشبكات التجسسية الأخيرة. الثانية هي موجهة للداخل أي للبيئة الشعبية في حزب الله والتي تشكل الحاضنة الجماهيرية له من اجل تبرير جميع الإجراآت الأمنية التي تتخذها ما يعرف "بالمقاومة" في العديد من المناطق الخاضعة لنفوذها، في الضاحية والبقاع والجنوب، من دوريات متواصلة ليلاً وحواجز طيارة وإعتقالات عشوائية وتفتيش مفاجىء وغيرها. ويروى كيف أن احد سكان الضاحية قد رفض ابراز هويته والترجل من سيارته حين طلبت منه احدى دوريات حزب الله الليلية ذلك في منطقة حي ماضي ذلك على احد حواجزها المتنقلة. وكاد الأمر أن يتطور الى اكثر من التلاسن حتى تدخل اهالي المنطقة وجرت اتصالات مع عدد من مسؤولي الوحدة الأمنية لحلحلة الموضوع.
وبحسب رؤية تلك المصادر المطلعة على ما يجري في اروقة الحزب، فإن حالة من الشك والريبة تسيطر على البيئة الداخلية لحزب الله، حيث تقوم اجنحة ومجموعات بتقديم تقارير بحق مجموعات اخرى، مما حدا بالوحدة الأمنية بالتدخل لفرض النظام بالقوة والتحري عن حقيقة ما يجري، عبر سلسلة إجرءآت امنية ضايقت الأهالي. واعتبر انفجار الرويس بمثابة دعوة للالتفاف حول الحزب والقبول بالإجراآت التي فرضها مؤخراً وتذكير الجميع بأنه مستهدف على جميع الصعد وبالتالي يحق له ما لا يحق لغيره على مستوى الأمن الذاتي.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك