المتشائمون بوقوع حرب مع إسرئيل قد يعيدون النظر في هذا التشاؤم حين يسمعون النقاش يدور على المستويات العليا والمتوسطة في فريق الأكثرية الجديدة. ففي هذه المجالس التي يجتمع فيها عدد قليل من الوجوه السياسية يجري تداول الكثير من الرسائل الغربية بخصوص الاستقرار في الجنوب، والمحكمة الدولية وسوريا وغيرها من الأمور. قبل فترة حمل أحد الموفدين الغربيين أجواء إلى المسؤولين في بيروت، تفيد بأنّ الإسرائيليين «عكس ما يعبّرون عنه في إعلامهم واجتماعات حكومتهم ومجالس دفاعهم، يريدون الهرب من الحرب مع حزب الله». وكل ما تريده الحكومة الإسرائيلية، بحسب هذا الضيف الثقيل، استخراج النفط والغاز البحريّين بسلام، وأنها مستعدة للقيام بأي أمر يسهّل عليها هذه المهمّة بعيداً عن صراعها مع لبنان والحزب. كلام الموفد يبعث الكثير من التفاؤل في نفوس الأكثريين الجدد الذين يعدون أنفسهم بتحصين حكومتهم والمحافظة على خطة عملها. لكن يبقى أمامهم الكثير من العثرات: ماذا عن المحكمة الدولية وكيفية التعامل مع القرار الاتهامي؟
حتى اللحظة ليس من جواب واضح أو كامل بشأن هذه القضية. ورغم أنّ الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أكد أكثر من مرة في الأشهر الأخيرة أنّ الحزب سيتعامل مع المحكمة بوصفها هيئة مسيّسة ولن يرضى بتنفيذ القرارات الصادرة عنها والتي تهدف إلى تجريد الحزب والمقاومة من شرعيّتهما، فإن حارة حريك وحلفاءها يستمعون في هذه المرحلة لوجهة نظر تنقلها مجموعة من الحقوقيين، لبنانيين وغربيين، إلى مجالس الأكثرية الجديدة، وتفيد بالآتي: «تضع المحكمة الدولية في جعبتها أدلة واهية وسخيفة وسطحية يمكن دحضها بسهولة تامة. على حزب الله الحضور إلى لاهاي وخوض المعركة هنا، وسينتصر بالقانون قبل السياسة». لكن وجهة النظر هذه لا تقنع أحداً في الأكثرية، أكان في حزب الله أم حركة أمل أم التيار الوطني الحرّ أم حتى لدى شركائهم الآخرين في الحكومة. وحتى مناقشة هذا الفريق وفق المعطيات القانونية تعجز عن إدخال أي تعديل على نظرتهم إلى المحكمة «الدولية المسيّسة والمركّبة والتي جعلت بلمار يحكم لبنان عبر سعيد ميرزا». ويتسلّح الأكثريون بنظرية أنّ «من فبرك هذه الروايات حتى اليوم باستطاعته فبركة غيرها»، مشددين على أنّ لا ثقة بأي مدع عام في المحكمة أو بأي محقق فيها إذ «يمكن هؤلاء أن يُشتروا ويباعوا مقابل أي منصب في الأمم المتحدة». ويشدد هذا الفريق على أنّ المعركة الأولى التي ستخوضها الحكومة في هذا الإطار هي في ملف شهود الزور، ويضيفون أنّ «كل من يعوّل على المحكمة الدولية لإسقاط حزب الله سيفاجأ بسرعة الضربة القانونية والقضائية التي سنوجّهها إلى المحكمة عبر هذا الملف».
والأمر الإيجابي لدى فريق الأكثرية وحزب الله، أن شخصياته مستعدة للجلوس مع أي أحد للاستماع إلى وجهة نظره في هذا الملف وتدوينها ونقلها إلى المراجع العليا. وفي هذا الإطار تشير هذه المجالس إلى أنّ مجموعة من الحقوقيين اللبنانيين عرضوا على الحزب المشاركة في مكتب الدفاع، من دون أن يحصلوا على أي إجابة من حارة حريك. وما يتردّد في أوساط الأكثرية أنّ حزب الله لن يمنع أحداً من المشاركة في عملية الدفاع عنه، حيث إنه لا شأن له بهذه المحكمة وهو لا يتعاون معها. وبالتالي ستأتي مشاركة هؤلاء الحقوقيين من منطلق شخصي، فلا هم سيمثلون الحزب ولا المتّهمين الأربعة. ومن هذا المنطلق باشرت هذه المجموعة الحقوقية نقاشاتها مع المعنيين لتحييد نفسها وإلغاء أي طابع سياسي يمكن أن تصبغ به نتيجة المشاركة في المكتب الدفاعي.
وماذا عن مكتب الدفاع؟ رئيسه فرنسوا رو زار لبنان قبل مدة، ولم يتقدّم بأي طلب للقاء المسؤولين في حزب الله، وتعيد شخصيات أكثرية الأمر إلى «كونه يعلم سلفاً أن الحزب لن يلتقي به». وخلال هذه الزيارة، عمل رو وكأنه مستكشف يسعى إلى تطوير «علاقاته العامة»، فطرح أفكاراً وردية عن المكتب الذي يترأسه وأنه سيتولّى الدفاع عن المتّهمين بكل مهنية. وأكثر الأفكار العبثية التي تقدّم بها فرنسوا، محاكمة المتّهمين عن بعد، أي عبر شاشة. يوم سمع مسؤولو حزب الله والأكثرية هذا الطرح، وزّعوا ابتساماتهم الصفراء واستخلصوا الآتي: المحاكمة عن بعد تعني الاشتراك في لعبة المحكمة والتعاون معها، وتعني كشف هوية المتّهمين أمام الجميع بمن فيهم إسرائيل، وبالتعالي تعريض هؤلاء المقاومين للخطر. وفي الأصل، السير وفق هذه النظرية يعني تسليم المتّهمين، وإلا فكيف ستجري محاكمتهم والتحقيق معهم؟
عند هذا الحدّ انتهت زيارة رو واقتراحاته غير الواقعية بالنسبة إلى حزب الله الذي تسأل الشخصيات المحيطة به عن سبب هذا الاقتراح ما دام «ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، مايكل ويليامز، يقول منذ اليوم الأول لقدومه إلى لبنان إنّ الحزب لن يسلّم أحداً؟». يستخلص الأكثريون أنّ المحكمة ورجالها يواجهون أزمة في هذا الملف، فيقولون: «هم في الأساس لا يريدون تسلّم المتّهمين ولا تحمّل هذه المسؤولية».
باختصار، يبدو الارتياح على وجوه المسؤولين في حزب الله والأكثرية الجديدة. حتى إنّ الانتفاضة الحاصلة في سوريا لا تؤرقهم. لا أحد غيرهم يعرف لماذا هذا الاطمئنان تجاه الوضع السوري وهم يبررون لأنفسهم يومياً مهمة الدفاع عن النظام فيه ويكررون بعضهم على مسامع بعض: ماذا بإمكان الغرب فعله أكثر مما يفعل حتى اليوم؟ يجيبون: لا شيء. فينامون قريري العين ويعدون أنفسهم بغد أفضل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك