على أن وفاة الطفلة خديجة الكك ابنة السنة وثلاثة أشهر على أبواب المستشفيات من دون توفير العلاج لها لأسباب مادية هي جريمة كاملة تستوجب محاسبة المقصرين والمهملين المفترضين.
لكن هذه المأساة الأليمة التي أصابت مباشرة بلدة فنيدق في عكار ومعها جميع اللبنانيين تفتح الباب مجددا على الحرمان اللاحق في عكار.
بمعزل عن الروايات المتضاربة بين الاهل والمستشفى عن تقديم العلاج للطفلة أم لا، يتفق الطرفان على أن المستشفى الحكومي في عكار غير مجهز بالمستلزمات الطبية الضرورية لمثل حالات الاختناق التي أصابت الطفلة . لا بل تمركز المستشفيات في مركز القضاء الذي يبعد عشرات الكيلومترات عن بعض القرى العكارية يجعل من الحالات الصحية المتوسطة خطيرة بسبب البعد الجغرافي وحال الطرقات التي لا يليق بعضها الا بالعصور الوسطى. تغيب المراكز الطبية المتطورة التي يمكن اللجوء اليها في الحالات الطارئة عن الأرياف العكارية ويصبح انقاذ حياة البشر هناك مغامرة ومقامرة مع القضاء والقدر.
هذا القضاء يبقى حرمانه قاسما مشتركا في كل العهود والأزمنة. فعكار التي لم تبخل على الوطن بدماء أبنائها الذين يشكلون ساعدا اساسيا للجيش اللبناني ، كما لم تتردد في المشاركة في الاستحقاقات الوطنية الكبرى لا بل كانت الرائدة في هذا المجال على مختلف المستويات تجد نفسها منسية ومهملة من الدولة اللبنانية. وقد يكون تحويل هذا القضاء الى محافظة أحد الحلول النظرية لانماء قرى ومناطق تحتاج الى أبسط مقومات الحياة . لكن الوقائع القائمة حاليا تؤشر ربما الى أن ثمة حرمانا متعمدا يصيب هذه المنطقة. ولعل هذا الترجيح ينطلق من مؤشرين : الأول أن معظم المشاريع الانمائية والبنى التحتية في عكار جاءت نتيجة مبادرات فردية وشخصية( ليس من تيار المستقبل وسعد الحريري) وأن نواب المنطقة المتعاقبين منذ زمن اتفاق الطائف اقتصر دورهم على رسم السايسات الاستراتيجية للمنطقة ولبنان والدفاع عنها . كان هذا الدور أهم من السعي لانماء منطقة يشكل حرمانها أكبر دليل على انتهاك مبدا الانماء المتوازن المنصوص عنه في الدستور اللبناني المعدل بموجب اتفاق الطائف. ركزت السياسات الاقتصادية منذ الطائف على تهميش وتهشيم هذه المنطقة التي تتطلب صرف موازنات مضاعفة لها لتعويض الخلل في الانماء المتوازن مع بعض الاقضية الاخرى المحظية .
أما المؤشر الثاني لتعمد الحرمان هو أن هذه الدائرة الانتخابية استخدمت من قبل ممثليها الحاليين ( نواب المستقبل ) استخدمت لتأمين الحشد في المهرجانات الشعبية التي خصصت لها موازنات ضخمة كان بامكانها لو صرفت على شكل مشاريع انمائية تعويض الكثير من الحرمان اللاحق بأهل عكار . وفي المواسم الانتخابية فقط منذ عام 2005 حتى الآن تذكر زعيم تيار المستقبل عكار . فزارها للحشد والتعبئة على أشكالها ،مطلقا وعودا لو تحقق جزء صغير منها لخرجت الكثير من القرى العكارية من حال الحرمان والفقر الذي أريد لها كقدر يستثمر ويستغل في الأوقات المناسبة.
وربما الأجدى وبدلا من أن يتلهى البعض بدعم الثورات العربية هنا وهناك أن يثور في عكار لرفع الظلم والحرمان عنها.
وربما من المفيد جدا لكل ابناء هذا القضاء أن تحيد السياسة قليلا عن الحسابات الانمائية العكارية من اجل الانطلاق في ورشة تحتاج الى جهود الجميع.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك