يخفي كلام النائب ميشال عون عن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ، شأناً خطيراً، يختصر بعبارة: "حلف الاقليات"
عنوان يختصر كل الحركة السياسية لدى رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" وحجة مبرمة يشهرها في وجه كل من يخالفه الموقف والخطاب.
من حيث المبدأ لا جديد يقدمه النائب عون الى الرأي العام المسيحي سوى محاولة تكرار تجربة فاشلة وخاسرة جرى اختبارها سابقاً، وكانت النتيجة دماءً ودموعاً وخراباً وخسائر وصفوفاً طويلة من المهاجرين على ابواب السفارات او موجات نزوح الى الغرب.
لا يعتّبر النائب ميشال عون من النتائج المدمرة لتجربة "تحالف الاقليات" ويصر على الترويج لها، في حين يقف امين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله متهيباً امام مجرد التلويح بمواقف يستشف منها اي كلام عن "تحالف الاقليات"، وذلك رغم الامكانات الضخمة التي يملكها "الحزب" والقدرات التنظيمية والعسكرية والاستراتيجية المتوفرة بين يديه اضافة الى الكتلة الشيعية المتراصة والدعم الايراني. لا بل، ان نصرالله وقيادة الحزب ومختلف كوادره ونوابه ووزرائه يحاذرون اي خطاب مذهبي او تحريضي على السنة، وفي ذلك حكمة كبيرة على نقيض الساسة المسيحيين.
جرب المسيحيون تحالف الاقليات بداية مع الرئيس حافظ الاسد ابان "حرب السنتين" وعندما تبدلت حسابات الرئيس السوري الراحل بعد توقيع اتفاقية كمب دايفيد بادر الى التملص من التحالف مع "الجبهة اللبنانية" مبدلاً اسلوب التعامل مع المسيحيين اللبنانيين من التحالف الى محاولة فرض الاملاءات والشروط والذمية فكان ان انفجر الصراع عنيفاً. ثم جربت "الجبهة اللبنانية" المحاصرة بين نيران الجيش السوري والتنظيمات الفلسطينية واليسارية المسلحة التحالف مع اسرائيل واليهود اعداء المسيحيين عموماً والمسيحيين اللبنانيين خصوصاً، فكان ان انتهى الامر الى كارثة مدمرة لا يزال المسيحيون يعانون من اثارها حتى اليوم. لكن السياسيين المسيحيين لم يتعلموا، ومرة جديدة حاول بعض الزعماء الترويج ل "تحالف الاقليات" والحماية البعثية السورية للمسيحيين في لبنان، فكانت النتيجة 15 عاماً من القمع والاعتقالات والاذلال واستلاب الهوية الوطنية واقصاء المسيحيين عن مؤسسات الدولة وقطاعاتها المختلفة فكانت النتيجة المعروفة للقاصي والداني، ووصل الامر الى حد الترويج لنظرية ان خروج الجيش السوري من لبنان سيؤدي الى قضاء السنة والشيعة على ما تبقى من حضور مسيحي في لبنان.
وها هو الزمن يدور دورته ويعود النائب ميشال عون مرة جديدة الى الترويج لهذه الوصفة القاتلة، دون اي اعتبار لدروس التاريخ القريب والبعيد والحاضر وما يجري في الدول المجاورة او المحيطة بلبنان وتحديداً في سوريا. ولا يجدي الكلام في هذا الاطار عن عدم استهداف المسلمين السنة وان "المعركة" هي مع تيار "المستقبل" وزعيمه سعد الحريري.
ان الترويج لمنطق "تحالف الاقليات" والعداء للمسلمين السنة هو امر خطير جداً على ما تبقى من مسيحيين في الشرق العربي، خصوصاً ان هذه الجماعة لا تملك اي قدرة حقيقية على خوض غمار المواجهة مع اي طرف اخر، ومصلحة المسيحيين في الشرق الاوسط هي في التفاعل مع مجتمعاتهم بروح الانفتاح والتواصل والتعايش المشترك واحترام التنوع والتعددية ضمن مؤسسات ديموقراطية فعلاً لا قولاً ودولة مدنية ترعى شؤونهم، وبهذا المعنى يصبح كل الكلام عن "تحالف الاقليات" وحماية الانظمة للمسيحيين مجرد دعوة الى اعداد حقائب الهجرة والرحيل عن هذه البلاد عند انهيار الانظمة الراعية للتحالف بين الاقليات.
النائب عون محب للتاريخ، وهو يعرف ان صمود المسيحيين اللبنانيين وبقائهم في لبنان انما يعود الى زمن امير لبنان فخر الدين المعني الكبير، الذي شجع المسيحيين على الخروج من قوقعتهم في جبل لبنان الشمالي اي في كسروان وجبيل والانفلاش نحو الجنوب حيث تكاثروا وعمروا القرى والبلدات بالعيش مع اهلهم واخوانهم من الطوائف الاخرى. اما الترويج اليوم الى "تحالف الاقليات" فلا يعني سوى دعوة مفتوحة او ما يشبه دس السم البطيء في شرايين الحضور المسيحي في لبنان لان قوقعة المسيحيين وانعزالهم عن قسم مهم من اللبنانيين لا تعني سوى القضاء على المسيحيين اللبنانيين وهم الذين يشكلون العمود الفقري لما تبقى من مسيحيي الشرق.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك