كتب جو متني:
بدءا من الخميس تُجبي إدارات الجمارك الرسوم على النقاط الحدوديّة البريّة والجويّة والمائية على المرافىء، على أساس التسعيرة الجديدة للدولار التي حدّدها وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل بـ 15 ألف ليرة.
تتلطّى حكومة تصريف الأعمال وراء القرار، بتبرير حتميّته لزيادة مداخيل الخزينة، وضمان تسيير شؤون الدولة والمرفق العام، وتسديد مترتّبات الخدمات، وفواتير المتعهّدين، ورواتب الموظّفين والمتعاقدين في القطاع العام.
تزامن التدبير المالي والضرائبي الجديد والمتوقّع صدوره قبل شهور، مع اعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنّ "المصرف المركزي سيبدأ بالعمل بسعر الـ 15000 ليرة مقابل الدولار ابتداء من أول شباط 2023، وسيصبح التعميمان 151 و 158 على 15000 ليرة بدل الـ 8000 ليرة والـ 12000 ليرة ابتداء من أول شباط".
لم يكن مفاجئاً الاجراء الجمركي ازاء رفع سعر الدولار. ويا ليته كان. فتسريب الخبر عنه قبل أشهر، أفقده عنصر المباغتة الضروري لـ "تشليح" المستوردين والتجار وأصحاب الوكالات الحصريّة والمهرّبين كذلك، الفرصة لاستيراد السلع والمنتجات بكمّيات ضخمة جدّاً، وتخزينها في مستودعاتهم على أساس السعر القديم، ومن ثمّ بيعها وفق التسعيرة الجديدة، بحيث سيحقّق الفرق بين التسعيرتين القديمة والجديدة أرباحاً طائلة للمستوردين الأغنياء على حساب الفقراء المعدمين كما جرت العادة.
انكشفت اللعبة. استفاد منها أيضاً الرأسماليّون الذين ابتاعوا ما طاب لهم من الكترونيات وسيارات وقطع مفروشات ومولّدات وغيرها. وشحنوها قبل دخول القرار الجمركي الجديد حيّز التنفيذ.
بمعزل عن لزوم تغيير سعر صرف الدولار الجمركي، والتأكيد أنّه سيطال الكماليات، ويعفي المستوردات الأوّلية وذات الطابع الغذائي، في مقابل فرض رسم 10% على السلع المستوردة والتي يصنّع مثيل لها في لبنان، ألم يكن في الامكان تسعير الرسم تصاعدياً، بعد اعداد جداول ولوائح السلع الخاضعة للرسوم أو المعفيّة منها، وذلك لتأمين أعلى درجات الحماية للمواطن، وتقليص محاولات الغش والربح السريع.
يعيد هذا القرار والتسرّع الى اتّخاذه بالذاكرة الى العام 2000، حين شكّل الرئيس المرحوم رفيق الحريري الحكومة الثانية في عهد الرئيس العماد اميل لحود. وعيّن مؤسّس أكبر مجموعة صناعية في لبنان المرحوم جورج افرام وزيراً للصناعة. كانت المقاربة الصناعية مختلفة بينهما. فتلقّى القطاع الصناعي ضربة كبيرة جعلته مشلولاً، وذلك بقرار من الحريري جعل الضريبة على المستوردات صفر %، ايماناً منه بسياسة الأجواء والحدود المفتوحة، تمهيداً لانضمام لبنان الى منظّمة الـ Gatt التي صارت منظّمة التجارة العالمية WTO. الأمر الذي لم يحصل لغاية اليوم
حاول افرام لملمة القطاعات بالتنسيق والتعاون مع الصناعيين. غير أنّ قطاعات انتاجيّة عريقة كانت توظّف آلاف الموظّفين والعمّال اضمحلّت مع انعدام قدراتها التنافسية مع المنتج الصيني والآسيوي وأي منتج يحظى بالدعم في بلد منشئه.
وطرح الصناعي المخضرم مبدأ المعاملة بالمثل الذي تكرّر مع وزراء الصناعة اللاحقين من دون تنفيذه. وأضيفت أفكار أخرى تدور حول حماية الصناعة الوطنية ودعمها ورعايتها من قبل الدولة، وتبنّي الاجراءات الوقائية safe guard measures. بقيت الأفكار شعارات على الورق. الغلبة في لبنان لمنظومة اقتصادية قائمة على الريع والتجارة والخدمات والسياحة. وإذا كانت هذه الركائز ضرورية وأساسية لبناء هيكل اقتصادي سليم ومتين، لكن ينقصه التكامل مع القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية.
يذكّر الصناعيون واللبنانيون بتجربتّي حماية مصانع الترابة وكابلات لبنان. فلمَ لا توسّع الدولة مروحة الحمايات؟ لماذا لا تلجأ الى تدبير المعاملة بالمثل مع الدول المرتبط لبنان معها باتفاقات تجارة حرة واعفاءات ضريبيّة؟
علّة العلل في الاقتصاد اللبناني تكمن بالعجز في الميزان التجاري، وميل كفّة الاستيراد على حساب التصدير، واعتماد السوق اللبنانية على استيراد نحو 90% من حاجاتها أيّام البحبوحة الزائفة .
تفسّر هذه المعطيات أن الصناعة والعلامات التجارية اللبنانية وعلامات الامتياز ( الفرانشايز ) تحتاج الى المزيد من الدعم والحماية والرعاية. عندها تنخفض نسبة 90% الاستهلاكية من الخارج، ويرتفع الاستهلاك المحلي من السلع الوطنية.، ويرتفع التصدير الى الخارج عند انخفاض كلفة الانتاج. عندها أيضاً، تتأمّن مداخيل اضافية ومضمونة لدولة لا تتخبّط بقرارات قد لا تتماشى مع المثل:"ربّ ضارة نافعة".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك