فرض القانون الانتخابي، الذي باشرت اللجان النيابية المشتركة مناقشته في مجلس النوّاب، طبقاً رئيسياً دسماً على المائدة السياسية، وسط تزاحم مشاريع القوانين المقدّمة إلى المجلس النيابي، بدءا من المشروع المرسل من الحكومة، ومرورا بمشروع النائبين ألان عون ونعمة الله أبي نصر، ووصولا إلى مشروع الدوائر الخمسين، الذي أعلنت قوى الثامن من آذار وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي، إضافة إلى رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط، رفضها له باعتباره قانونا يتناقض واتفاق الطائف ويزيد من حالة التمترس المذهبي بين اللبنانيين.
وبغض النظر إذا ما سيحظى قانون الدوائر الخمسين، المقدّم من النواب جورج عدوان وسامي الجميّل وبطرس حرب، بالأكثرية داخل المجلس النيابي، مع استبعاد ذلك في حال عرضه على التصويت، السؤال الأبرز هل إنّ مشروع القانون الانتخابي هذا، فعلا مناقض لاتفاق الطائف الذي كرّس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين؟ وأين يناقض هذا المشروع اتفاق الطائف؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها أحد أهم المشاركين في وضع اتفاق الطائف الوزير والنائب السابق إدمون رزق عبر «اللواء»، فيشير بصراحته المعهودة بعيدا عن المواربة، إنّ «كل القوانين الانتخابية المطروحة، من قانون النسبية المقترح من قبل الحكومة، إلى قانون الخمسين المقترح من قبل مسيحيي الرابع عشر من آذار، ووصولا إلى القانون المقدّم من قبل النائبين ألان عون ونعمة الله أبي نصر، وما بينهما قانون اللقاء الأرثوذكسي، كلّها قوانين تتناقض ومضمون اتفاق الطائف الذي حدد بشكل واضح لا لبس فيه شكل القانون الانتخابي».
ومن هذا المنطلق، بنظر رزق ليس المطلوب طرح مشاريع القوانين الانتخابية، مع ما فيها من مغايرات ومفارقات، بل تأمين التعبير الحقيقي الحر عن إرادة الشعب في إختيار ممثليه الشرعيين، موضحا أن «اتفاق الطائف رسم الإطار المبدئي لأي قانون إنتخاب وهو تأمين التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله»، لذلك يتابع رزق «ليس المطلوب اليوم لا من لجنة بكركي ولا من الحكومة ولا من الأحزاب والتيارات، تقديم زحمة مشاريع على المقاسات المختلفة لأننا لسنا في صدد إختراعها بل ممارستها بالعودة الى ما توصل اليه التطور الحضاري للدول المتقدمة»، من هنا يشدد رزق على «ضرورة وضع قانون انتخابات عصري يلحظ روحيّة اتفاق الطائف، ولا يكرّس النظام المذهبي والطائفي الذي ترسّخ ما بعد اتفاق الطائف».
رزق يرى أنّ أي مشروع إنتخابي لا ينطلق من مبدأ الاختيار المباشر الحر لا يمكن أن يؤدي إلى التمثيل الصحيح، ولذلك ينادي بصفته خبيرا بخفايا السياسة اللبنانية وحاجاتها، وبما يطالب فيه اتفاق الطائف صراحة، بضرورة إعتماد الدائرة الفردية أو الصوت الواحد لكل ناخب، لأنّ كل ما عدا ذلك من مشاريع لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج سلطة أمر واقع، معتبرا أنّ «جميع مشاريع القوانين الانتخابية المعروضة، تأتي في سياق تسجيل المواقف، لأنّ واضعيها لا يريدون سوى تأمين مصالحهم الانتخابية، وإنتاج مجلس نيابي وهمي، شبيه بالمجالس النيابية التي أعقبت اتفاق الطائف أي منذ العام 1992 ولغاية اليوم، حيث كل مشاريع القوانين الانتخابية جاءت معلّبة على قياس الطبقة الحالية، ما أدى إلى انتاج سلطة مستنسخة وغير شرعية».
وبالتالي وللتخلّص من هذا الواقع الذي تكرّس منذ اتفاق الطائف ولغاية اليوم، يرى رزق أنّ الحل يكمن عند الشعب اللبناني الذي بيده إمّا التغيير أو إبقاء الوضع على ما هو عليه، واستنساخ مجلس نيابي يبقي الأمور في لبنان رهينة لمزاجيته، واصفا ما يجري من مناقشات بشأن القانون الانتخابي «بالمهزلة» على اعتبار أنّ التسابق على طرح مشاريع القوانين الانتخابية في اللحظات الأخيرة ما هو سوى مضيعة للوقت، متهما في هذا المجال جميع القيادات السياسية، وحتّى الرؤساء الثلاثة بأنّهم لا يريدون إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، وأنهم يراهنون على عامل الوقت في انتظار المتغيّرات الداخلية والخارجية، خاتما بالقول إنّ المطلوب وبدون أي مراوغة أو تلكؤ إنتاج قانون انتخابي عادل يؤمّن التمثيل الحقيقي والتعجيل في إقراره داخل مجلس النواب قبل انتهاء المهل الدستورية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك