قبل حوالى أكثر من أسبوع استقبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وفداً من "حزب الله" للبحث في الوضع اللبناني المتفجِّر، وخصوصاً في الشمال وتحديداً عاصمته طرابلس، وللتوافق على آلية لمنع تحوّله حرباً اهلية - مذهبية طاحنة.
ماذا دار في الاجتماع المذكور؟
العارفون المتابعون حركة "الحزب" وميقاتي يجيبون ان الوفد أكد لميقاتي ان "حزب الله" يرفض حرباً اهلية في لبنان، وخصوصاً إذا كانت طائفية او مذهبية. ويضيفون انه ابلغ اليه ان ايران الحليفة الأولى لـ"حزبه" ترفض بدورها الحرب المشار اليها وتعمل لمنع نشوبها. بعد ذلك، يتابع هؤلاء، عرض الوفد للعلاقة القائمة بين رئيس الحكومة و"حزب الله"، فأشار الى ان الاول يمتنع في غالبية الاحيان عن تنفيذ كل ما يطلبه "الحزب" منه وفي مجالات متنوعة. لكنه اعترف له بمعرفته الخطوط الحمر لـ"الحزب،" اي القضايا التي يشكّل مسّها أو التعرُّض لها على نحو سلبي ايذاء له، وتالياً بامتناعه طوعاً عن "الدق بها" ليس حرصاً عليه بل حرصاً على البلاد وعلى ما تبقى من سلم أهلي على ضآلته. وهنا يستطرد العارفون المتابعون أنفسهم، دعا وفد "حزب الله" الرئيس ميقاتي الى المحافظة على العلاقة التي ينتهجها الاثنان إذا كان صعباً أو مستحيلاً عليهما معاً أو على واحد منهما تغييرها. إذ ان في ذلك سلامة للبلاد والعباد، واستمراراً للحكومة التي يبقى "بقاؤها" في السلطة أكثر فائدة للاطراف المشاركين فيها من رحيلها رغم الخلافات الكثيرة التي تعصف بهم، ورغم عجزها الكبير عن الانتاج. ثم انتقل البحث بين ميقاتي ووفد "الحزب" الى الوسائل العملية لمنع الحرب الاهلية الطائفية او المذهبية، وتحديداً لوقف الاشتباكات في عاصمة الشمال طرابلس، ولاسيما بعد تصاعدها تلافياً لجرّها السنّة والشيعة عموماً في لبنان الى الاشتباك. وهنا أكد الوفد لميقاتي ان قيادة "حزب الله" تعطيه ضوءاً أخضر كاملاً للتصرف في طرابلس منعاً للفتنة ولاسيما مع أطرافها المتحالفين معه من سنّة وعلويين (في جبل محسن). لكنها في الوقت نفسه تطلب منه تعاملاً بالمثل مع الاطراف الآخرين المشتبكين مع حلفاء الحزب وكلهم من أهل السنّة، بل من الاسلاميين السنّة الذين نموا كالفطر في طرابلس بدعم من خارج عربي سنّي يحاول بواسطة سنّة لبنان وسوريا وغيرهما مواجهة التهديدات الايرانية الشيعية له. انتهى الاجتماع وبعده اعطى ميقاتي التعليمات الى القوى العسكرية والأمنية للقيام باللازم تهدئة لطرابلس استناداً طبعاً الى الضوء الاخضر المشار اليه اعلاه. فنفّذت الاخيرة مهمتها و"اغارت" إذا جاز التعبير على هذا النحو على حلفاء لـ"حزب الله" داخل المدينة، فاعتقلت 18 شخصاً وصادرت كمية كبيرة من الاسلحة والذخائر. وساهم ذلك في تعزيز معنويات القوى المذكورة، وخصوصاً في اثناء تنفيذها مهمة وقف الاشتباكات بين "جبل محسن" و"التبانة" ومنع تجددها.
هل يعني ذلك ان مشكلة طرابلس انحلّت؟ وان "حزب الله" سيُسلِّم حلفاءه الى دولة نصفها على الاقل معاد له في حين يستمر تنامي اعدائه وخصوصاً الذين منهم سلفيون ومتشددون وتكفيريون وعنفيون؟
الطموح عند ميقاتي، كما عند قيادات طرابلس غير "العنفية" وبعضها ينتمي الى 14 آذار، لم يكن وليس اليوم حَل المشكلة لاستحالة ذلك بسبب ارتباطها بما يجري في سوريا والعالم العربي وايران وتركيا بل والعالم كله. بل كان احتواؤها ومنع تجددها وتالياً تحولها حرباً شاملة اسلامية طرابلسية فلبنانية. وظن الجميع ان ذلك تحقق، لكن مبادرة القضاء الى اطلاق الموقوفين المذكورين اعلاه بعد ايام قليلة من اعتقالهم ارخى ظلالاً من الشك على كل العملية، ودفع الى التساؤل اذا كان "الحزب" بدّل بالأحمر الضوء الأخضر. ولم يبدد هذه الظلال قول بعض المسؤولين انهم اعيدوا الى السجن، ذلك ان احداً لم يؤكد ذلك رسمياً. طبعاً لا يرمي هذا الكلام الى اتهام "حزب الله" على نحو غير مباشر بأنه عاد عن "ضوئه الأخضر". فهو لا يزال متمسكاً بمشروعه وبسلاحه وبتحالفاته، ولا يزال في الوقت نفسه رافضاً حرباً اهلية إلا اذا استُدرج اليها او فُرضت عليه. وما يدفعه الى رفضه هذا اقتناعه بأن المنطقة كلها تغلي، وبأن التطورات فيها بالغة العنف ولن تكون في مصلحته على المدى البعيد، واصراره على إبقاء لبنان على الاقل في وضع القادر على لملمة أجزائه وإعادة بناء نفسه إذا توافرت ظروف ذلك. علماً ان هذا الموقف يجب ان لا يدفع أعداءه الى الاعتقاد ان النيل منه صار ممكناً، فهو لا يزال الأقوى على الاقل حتى الآن وربما في المستقبل... المنظور.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك