من الصعب فهم السياسة الأميركية بالمنطقة، فإدارة الرئيس أوباما ترفض تسليح الثوار السوريين رغم كل الجرائم التي يرتكبها الأسد بحجة الخوف من وقوع تلك الأسلحة بأيد «غير أمينة»، لكن واشنطن لا تبدي أي قلق من تسليح النظام العراقي الحليف لإيران خشية وصول تلك الأسلحة، أو أي معلومات عنها لطهران!
واشنطن ترفض تسليح الثوار السوريين بحجة أنها تخشى من وصول تلك الأسلحة لأيدي جهاديين، أو إرهابيين محتملين، بحجة الخوف من أن يعرض ذلك أمن المنطقة كلها للخطر، بحسب ما يقوله الأميركيون. لكن، وبالوقت نفسه، نجد أن واشنطن تعلن عن مشاريع تسليح ضخمة للنظام العراقي الحالي الذي تعرف واشنطن جيدا أنه تحت السيطرة الإيرانية التامة، فلماذا لا تخشى أميركا أيضا من وقوع تلك الأسلحة، أو ما يتعلق حولها من معلومات، بيد طهران التي تهدد مصالح أميركا ككل في المنطقة، وخصوصا بالملف النووي؟ فالإدارة الأميركية الحالية تعي، أو هكذا يفترض، أن بغداد اليوم تعد مسرحا مهما للإيرانيين، حيث تستغل طهران العراق كأحد أهم المنافذ والواجهات، لكسر الطوق الاقتصادي الدولي عليها، وهناك تقارير أميركية كثيرة تشير لذلك، كما أن إيران تستغل العراق لدعم النظام الأسدي بسوريا، ماليا وتسليحيا، وحتى من خلال إرسال الضباط، وأكثر من ذلك بكثير، فكيف تقوم أميركا بتسليح النظام العراقي الحالي، وبأعتى أنواع الأسلحة المتطورة، التي من المعلوم أنها ستكون بأيدي الإيرانيين وقتما شاءوا، بينما تمنع أسلحة نوعية محدودة عن الثوار السوريين الذين يواجهون نظاما قمعيا وحشيا لا يتوانى عن استخدام الطائرات والأسلحة الثقيلة، ضدهم، خصوصا أن الثوار السوريين قد التزموا المنهج السلمي مطولا بثورتهم ولم يحملوا السلاح إلا حين اضطروا لذلك تحت وطأة العنف الأسدي الناتج عن دعم روسي وإيراني!
والغرابة في الموقف الأميركي لا تقف عند هذا الحد، بل إن واشنطن تحتج على الاقتراح الفرنسي الداعي للاعتراف بحكومة سورية مؤقتة بحجة أنه اقتراح متسرع، وأنه يجب الانتظار حتى تتوحد المعارضة السورية، وتضمن انضواء كل المكونات السورية تحتها، وضمان عدم اجتثاث، أو إقصاء، أي طرف سوري بها، ومنهم العلويون، والبعثيون السوريون، وبالطبع فإن هذا المطلب واقعي، ومحق، حيث إن فيه ضمانا لمستقبل سوريا الدولة والمجتمع، إلا أن المتابع يتعجب اشتراط واشنطن هذا الأمر سوريًا، بينما تواصل واشنطن دعم النظام العراقي الحالي، رغم أن المالكي لا يزال يواصل اجتثاث البعث العراقي، حتى بلغ الأمر الإعلان عن اجتثاث متوفين عراقيين بعثيين، ولا يزال المالكي يطارد نائبه السني طارق الهاشمي، علما بأن المالكي يدافع في الوقت نفسه عن النظام البعثي في سوريا! فلماذا يكون عدم الإقصاء شرطا بالحالة السورية، ويتم السكوت عنه بالحالة المالكية في العراق؟ ولماذا يكون عدم تسليح الثوار السوريين بحجة الخوف من وصول الأسلحة لأيد «غير أمينة» بينما لا قلق أميركيا من وصول الأسلحة المبيعة للعراق للنظام الإيراني؟
أسئلة عديدة، ومستحقة، فهل تجيبنا واشنطن على هذه التناقضات، أم أن الإدارة الأميركية لا تكترث بحجم تناقضاتها تجاه المنطقة، وما يحدث في سوريا تحديدا؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك