عقد "مركز التراث اللبناني" في الجامعة اللبنانية الأَميركية LAU ندوته الإِلكترونية الثانية عن بعد، بعد ندوة افتراضية أولى عن "التراث واحة تقارب ثقافي: أي مفهوم له مع التباعد الاجتماعي، وذلك بعنوان "كيف نحمي تراثنا الشفوي في زمن المنصات الإِلكترونية؟"، أعدها مدير المركز الشاعر هنري زغيب واستضاف المدير التنفيذي لجمعية "السبيل" في بيروت علي صباغ والباحث في الآلات الموسيقية التراثية للفولكور اللبناني ناصر مخول.
افتتح زغيب الندوة انطلاقا من قرار الجمعية العامة لمنظمة الأونسكو في دورتها الثانية والثلاثين (باريس 17 تشرين الأول 2003) تحديد التراث غير المادي بأنه "مجموع التقاليد او اشكال التعبير الحية الموروثة من الأسلاف كي تنتقل إِلى الأحفاد، ومنها التقاليد الشفوية وفنون الأداء والممارسات الاجتماعية والطقوس والمناسبات الاحتفالية والمعارف والمهارات المرتبطة بإنتاج الصناعات الحرفية التقليدية. والتراث الثقافي غير المادي عامل مهم في الحفاظ على التنوع الثقافي، يساعد على الحوار بين الثقافات ويشجع على الاحترام المتبادل لطريقة عيش الآخر".
ثم كان الحوار مع ضيفي الندوة، فتحدث بداية صباغ وشرح "جهود جمعية السبيل في حفظ التراث الشفوي على مستويين: العديات (عملت على جمعها وإصدارها نجلاء جريصاتي خوري)، والحكواتي باستضافة رواة في مقرها وفي مدن لبنانية أخرى".
واشار إِلى "جهود الجمعية في بناء قدرات ومهارات شابة تواصل رسالة هذا التراث، بين قراءات للصغار والكبار في مكتبات السبيل وسواها، وعن بعد على منصات إلكترونية تستقطب جمهورا من جميع المدن والبلدان".
وركز على "تبدل مفهوم الحكواتي وتغير شخصيته من مجرد السرد العادي إِلى التركيز على دوره تعليميا وتوجيهيا وتثقيفيا"، لافتا الى " ان الجمعية تعمل على تركيز هذا الفن بمهرجانات خاصة للحكواتي (بعضها تعاونا مع دار قمبز) يشارك فيها رواة من لبنان ومصر وفلسطين وتونس وسواها، وبذلك تواصل العمل على تفعيل التراث الشفوي بتدريب حكواتية جدد لمواصلة إحياء هذا التراث الشفوي العريق نشرا ومنشورات وقراءات".
اما مخول فتحدث عن الآلات الموسيقية التقليدية القديمة التي يصنعها في محترفه "وفق مقايسها الأصلية في زمانها"، وعن كيفية "تأقلمها مع العصر حتى يكون التطور في استخدامها دافعا لاستمراريتها، وإمكان تبديل أدوارها بجعل الجيل الجديد يعزف عليها".
وقال:"مر على نشأة تلك الآلات في الزمن الماضي ودورها في مراسم دينية وطقسية ثم انتقالها من الفرد إِلى الجماعة الشعبية، متطورة من الروح إِلى المادة، ومن آلة تراثية إِلى آلة حضارية حتى دخولها التخت الشرقي وتصنيعها اخيرا بآلات إلكترونية تقترب من نغمتها الأصلية".
وأشار إِلى "اختلاف الإِحساس بعزفها من منطقة في لبنان إِلى منطقة اخرى، بين الجنوب والبقاع وجبل لبنان والشمال"، شارحا مصدر كل آلة وطرق العزف عليها، وقدم نماذج على شرحه بعزفه على الناي والمزمار والبزق مع شرح كل نغمة، واختلاف تقنية العزف على آلات النفخ والآلات الوترية".
اما ضيف الندوة (من أـينيون - جنوبي فرنسا) الراوي اللبناني العالمي جهاد درويش الذي امتهن الحكواتي منذ 40 عاما و يعد نصوص الحكواتي ويقدمها على مسارح عربية وأُوروبـية، فشرح كيف "كان الحكواتي في الزمن الماضي يتوجه إِلى رواد ينتظرونه في المقاهي الشعبية، كي يحكي لهم عن عصور انقضت وأَبطال ضاعوا بين الحقيقة والخيال وبين الحلم والحقيقة، واليوم صار ناقلا ثقافيا معرفيا في شخصية أخرى وأدوار هادفة ورسالة جديدة".
واشار إِلى ان "الحكواتي القديم كان أمام المستمعين يمسك الكتاب في يده إِيهاما ليزرع فيهم حس المصداقية انه يقرأ من الكتاب قصصا خالدة، لكنه بالفعل في معظم الحالات كان هو من يؤلف الحكايات على لسان أبطالها".
اشارة الى ان قراءات درويش تتنوع بين نصوص تراثية من ملحمة "غلغامش"، وحكايات "ألف ليلة وليلة"، وكتاب "كليلة ودمنة" وسواها، وبين نصوص حديثة ومعاصرة ذات رسالة هادفة، يشرح خلالها كيف ينسج تنويع نصوصه في حكايات وصيغ يقدمها في شكل مسرحي محترف جذاب.
وختاما خصصت مداخلات للمتابعين عن بعد، فاشترك من نيويورك نديم شحادة (مدير مركز الجامعة اللبنانية الأَميركية في نيويورك)، ومن باريس الكاتبة هناء الصمدي نعمان، ومن هلسنكي فاروق أَبو شقرا (جامعة هلسنْكي)، ومن مونتريال بشير قزي (تجمع منتدانا الثقافي في كندا).
وأعلن زغيب عن الندوة الثالثة التي ستعالج التحديات أَمام المسرح اللبناني في زمن المتغيرات الراهنة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك