"الراي الكويتية":
لم يكن ينقص الواقع اللبناني «الفاقِد الحصانة» مالياً واقتصادياً والمُنْكَشِفِ على «قنبلة موقوتة» في الشارع، سوى أن يجد نفسه وجهاً لوجه أمام «قانون قيصر» الأميركي الذي يبدو أشبه بـ«حصان خرج من الحظيرة» ولن يكون ممكناً وقف مفاعيله في الساحات المتشابكة مع «ملعب النار» السوري وتداعياته على اللاعبين بـ... نارها.
ورغم الإدراك السياسي في بيروت، بأن «قانون قيصر»، يشكّل فتيلاً جديداً في صراع النفوذ في المنطقة ويستكمل في جوانبه العقابية مسارَ «خنْق حزب الله» مالياً، فإنّ واشنطن لم تترك مجالاً لأي التباسٍ حيال الوقْع الذي سيكون لهذا القانون على المشهد اللبناني بامتداداته الإقليمية، كما بمفاصله الداخلية السياسية والمتصلة بالأزمة المالية العاتية ومحاولات معالجتها بـ«ترياق» برنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي.
وجاءت مُعاجَلَةُ السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا الساحة السياسية بمواقف «بلا قفازات» حول «شخصيات لبنانية ستكون ضمن العقوبات التي يشملها القانون المتعلّق بسورية، كما أن الشخصيات المتورّطة بالفساد ستتعرّض أيضاً للعقوبات»، لتكرّس تحوّل هذا القانون معطى لن يكون ممكناً بعد اليوم تجاوُزه، من دون أن يتّضح في الوقت نفسه كيف سيقاربه لبنان الرسمي المشغول بعملية «قفْز على الشجر» لا تنتهي في سياق مقاربة الانهيار المالي والخلفيات العميقة لسقوط آخِر جدران الحماية الخارجية للوضع اللبناني.
وعمّا إذا كانت العقوبات ستشمل حلفاء «حزب الله»، قالت السفيرة إن «العقوبات تستهدف الحزب لكنها قد تشمل أيضاً أولئك الذين يساعدونه ويدعمونه. كذلك ستكون هناك فئة جديدة من العقوبات التي ستدخل حيّز التنفيذ في الأول من يونيو (امس) وستطاول قتلة المدنيين في سورية. وقد تكون هناك بعض الأطراف هنا متورّطة في سلّة العقوبات هذه أيضاً».
ويتضمن «قانون قيصر» عقوبات قاسية على النظام السوري وداعميه، وأقرته الإدارة الأميركية نهاية العام الماضي.
ولم تكد السفيرة تنهي كلامها، حتى اتجهت الأنظار إلى نقطتين متداخلتين: الأولى كيفية تعاطي الحكومة مع موجبات «قيصر» وإمكانات التكيّف معه.
والثانية مدى المرونة التي سيسمح «حزب الله» باعتمادها بملاقاة هذا التحوّل، بعدما كان الحزب وضع على الطاولة بالتوازي مع انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، خيار «السوق المَشْرِقية» ومفتاحها الانفتاح على سورية، وذلك في ما بدا في جانب منه محاولةً لفرْملة الاندفاعة الدولية على جبهة «القبض» على الحدود اللبنانية - السورية عبر ضبْط المعابر الشرعية وغير الشرعية تحت عنوان وقف التهريب والتهرب الجمركي الذي يشكّل ركيزة لأي دعم مالي للبنان، ويُعتبر في بُعده الإقليمي متمّماً لعملية قطع طريق الإمداد العسكري لـ«حزب الله» ورئة اقتصاده الموازي.
ولم يكن عابراً ما كشفته تقارير صحيفة «الأخبار»، عن أن نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر كانت وزّعت خلال جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة، الترجمة العربية لـ«قانون قيصَر» طالبةً من زملائها «الاطلاع عليه» لأن «على الحكومة أن تُناقشه في وقتٍ لاحِق»، وأن وزراء نقلوا عنها قولها «في محادثاتي مع السفيرة الأميركية، أبلغتْني أنهم جديون بتطبيق القانون، وكل من يتعامل مع سورية سيكون عرضة للعقوبات. وأود أن تطّلعوا على القانون لأن بعض الوزارات اللبنانية تتعامل مع نظيراتها السورية. ونحن في مفاوضات مع صندوق النقد، ويجب أن نكون حذرين كي لا نتعرّض لعقوبات تؤثر سلباً على المفاوضات».
يأتي هذا المناخ بالغ التعقيد، مع ارتسام ملامح نسخةٍ أكثر تَشَدُّداً في عناوينها وتعبيراتها لتحركات الشارع في مقابل تعاطٍ واضح من القوى العسكرية والأمنية معها، بما ينذر بموجاتٍ ساخنة تسبق تظاهرة السبت المقبل.
واستوقف دوائر سياسية، تَعَمُّد مجموعات تحويل الرئيس ميشال عون، عنواناً مباشراً للحِراك تحت عنوان «الثورة تمر ببعبدا» وما استتبعه من تَظاهُرٍ على طريق القصر الجمهوري عصر الأحد، تخلله حرْق صور لرئيس الجمهورية، وذلك قبل أن يشهد محيط مقر البرلمان في ساحة النجمة صداماتٍ بين محتجّين وحرس مجلس النواب، فيما كانت مناطق عدة في الشمال والبقاع وصيدا تسجّل تحركات غاضبة على الواقع المعيشي، وسط علامات استفهامٍ حيال المنحى الذي ستسلكه التظاهرات التي لم يتوانَ بعض مجموعاتها عن استحضارٍ هو الأول من نوعه لملف سلاح «حزب الله» ودعوة الأمم المتحدة إلى تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بنزْعه، ما يشي بانزلاقٍ للعناوين الإشكالية في الواقع اللبناني «إلى الأرض».
وفيما حجبتْ هذه الوقائع مجريات اليوم الأول من استعادة لبنان حياته شبه الطبيعية وفي غالبية قطاعاته (ما خلا المطار وبعض النشاطات) ترجمةً لاستراتيجية «المناعة المجتمعية التدريجية» بإزاء فيروس كورونا المستجد، الذي سجّل أمس 13 إصابة جديدة (7 لمقيمين و6 لوافدين) رفعتْ العددَ الإجمالي إلى 1233 (بينها 715 حالة شفاء و27 وفاة)، لم تسترح المعارك السياسية داخل البيت الحكومي وبين الحكومة وخصومها، وسط اعتبار مصادر سياسية عبر «الراي»، أن إسقاط الهوية «المستقلة» للحكومة ووزرائها عبر التهديدات المتوالية للجهات السياسية الموالية بسحْب ممثليها «التكنوقراط» على خلفية مقاربتها لملفات حيوية على غرار الكهرباء أو التعيينات (وآخِرها تهديد النائب طلال أرسلان بسحْب وزيره ما لم يتم تعيين ضابط درزي يدعمه قائداً للشرطة القضائية)، كشف «هشاشة» تركيبتها حيال جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقها وسط ارتفاع موجات الأزمات غير المسبوقة وتفاقم الضائقة المالية والمعيشية إلى مستويات حرجة تنذر بتحولات مؤلمة ومجابهات أشد قسوة تتغذى من أجواء الانقسامات والتوترات الداخلية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك