كتب رمال جوني في "نداء الوطن":
داخل السوبرماركت، يُصاب الناس بالصدمة، كل شيء خضع لرفع الأسعار. عند أحد الرفوف رُفعت يافطة صغيرة "عرض أسعار لجبنة البيكون"، الأخيرة باتت بـ3000 ليرة، ليست وحدها التي خضعت لنظام الغلاء الفاقع. تتجوّل السيدة بين الرفوف بحثاً عن الرخص، ظنّت لوهلة أن المتجر الكبير يُخفّض أسعاره، خاب ظنها، لم تجد خياراً غير الخروج من السوبرماركت ومقاطعة البضائع المرتفعة. تأمل فاطمة أن يحتكم المواطن للمقاطعة، فهو السلاح الفتّاك برأيها، غير أنها تعود لتؤكد "أن أحداً لا يقاطع، فنحن نأكل بعضنا، نستغرب الأسعار ثم نشتريها، ما يُعطي التاجر حقّ مضاعفة السعر".
يتغلغل الغلاء في كل السلع، بات صعباً على المواطن شراؤها، وحدها الدهشة تُصاحبه في تجواله داخل السوبرماركت، تترافق مع الصفير.
تراجعت الحركة التجارية داخل منطقة النبطية على نحو كبير، أكثر من 90 بالمئة من السكان فقدوا أعمالهم، أو باتوا يخضعون لنظام "النصف معاش"، وجزء آخر يعيش "باليومية"، ما أرهق ميزانية المواطن الذي يحاول الصمود أكثر. إضطرّ معظمهم للتخلي عن "البرستيج" والإستغناء عن عاملة المنزل، وعن عناصر رفاهية كثيرة.
أُصيب الناس بنكسة إقتصادية خطيرة. يتذكّر البعض زمن "تقنين شراء اللحم"، في ثمانينات القرن الماضي كان المواطن يشتري "وقية لحم" من سوق الإثنين، ويتباهى بقدرته على شرائها، لا يختلف المشهد اليوم كثيراً، 70 بالمئة من الناس يئنّون من الفقر "عالسكت".
"لم يعد بإمكاننا الصمود، خسرنا كل مواردنا المالية، بتنا "عالحديدة"، نخشى الأسوأ"، هذا ما يقوله أبو علي الذي وجد نفسه بلا عمل ومُهدّد بخسارة منزله "لأنني أعجز عن دفع الإيجار". هو واحد من عشرات محتوم عليهم العيش "بالقلّة" وتحدّي الأزمة بـ"المجدرة"، ومواجهة جشع التجّار بالزراعة، ووضع نظم إقتصادية جديدة لحياتهم، بعيداً من نظام الإقتصاد المهترئ.
يتنقّل أحمد بين متجر وآخر بحثاً عن مسحوق للغسيل رخيص الثمن، إعتاد شراء الـ 10 كيلو بـ 18،500 اليوم يفترض به ان يدفع ثمنه 50 الفاً. بحرقة يقول: "سيُعيدوننا للغسيل بالصابون العربي، الذي كانت تصنعه السيدات من زيت الزيتون"، يضع المواطن نصب عينيه حياة الأجداد، يرى أن حكومته تقذفه باتجاهها، فكل شيء حوله بات صعب المنال، حتى غالون "الكلوروكس" تضاعف سعره، "يريدون أن نعقّم لنقضي على "كورونا"، ومن يقضي على الأسعار الفاحشة"؟ الناس يسألون عن سبب غياب وزارة الإقتصاد عمّا يحيط بهم، ولماذا لم تتّخذ قرارات صارمة في هذا الإطار؟
لا أحد يملك الإجابة، فالاسئلة تُعدّ عنصرية بحقّ التجار، فهؤلاء يحقّ لهم ما لا يحقّ لغيرهم، يُمسكون بمفصل التجارة، يرفعون الأسعار ساعة يشاؤون، وللأسباب الموجبة، لمصلحة ارباحهم الطائلة، والحجة الدولار، علماً بأن هناك كميات كبرى من السلع داخل المخازن تكفي لمواجهة الأزمة، وفق أحدهم، ولكن يسقط الرهان عند بوابة الربح، فالسوق مشرَّعة على كل أنواع الربح، طالما الرقابة معدومة.
لا تُخفي سنيّة، أستاذة علم الإقتصاد، امتعاضها من تضخّم الأسعار، باتت تراها "حفلة جنون، في بلد يختلف نوابه على إدارة مرفق عام، ويغضّون الطرف عن ارتفاع الاسعار". تحاول سنية أن تجد سبباً مُقنعاً للغلاء وغياب سلطة الرقابة عن السوق، فلا تجد، تسأل عن جدوى وجود مئات المراقبين ولا يقومون بعملهم؟، هل يعقل أن لا صلاحية للوزارة بضبط الأسعار، قبل أن تؤكد أن "هناك لعبة مكشوفة ضدّ المواطن لإرهاقه إقتصادياً، وسلب كل مدخراته، ليعود أداة طيّعة بين أيديهم". تصف سنية واقع الحال "بالقطيع الداشر" الذي يتحكّم به الزعيم، وإلا كيف يمكن تبرير إنصياع المواطن للغلاء، من دون أن يُحرّك ساكناً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك