بات مؤكداً أن وضع العبوة الناسفة في مصعد مكتب النائب بطرس حرب لم يكن "بروفة" أمنية، أو مجرّد تجربة لفاعلية وصلاحية صواعق تفجير، إنما هي محاولة إغتيال مخطط لها ومدروسة مسبقاً، ونفذت بحرفية عالية لولا تدخّل العناية الإلهية لإنقاذ حرب ومعه لبنان من الدخول في أتون سقوط أمني شامل هذه المرّة.
ليس غريباً أن المحاولة استهدفت بطرس حرب السياسي المعتدل، الذي يحافظ على بقاء جسور التواصل مع كل القوى السياسية في الموالاة، لأن حرب كان ولا يزال هدفاً أمنياً وأحد الموضوعين على لائحة التصفية الجسدية في المسلسل الأول الذي بدأت أولى حلقاته بإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفي المسلسل الثاني الذي استهلّ بمحاولة اغتيال الدكتور سمير جعجع.
بعد جريمة اغتيال الرئيس الحريري الضخمة والمعقّدة والتي جنّدت لها أجهزة وتنظيمات محلية وإقليمية وسبقتها أعمال رصد ومراقبة لموكبه والمسارات التي يسلكها والحجم الهائل من المتفجرات التي يحتاجها لتدمير موكبه وسياراته المصفحة وضمان القضاء عليه، بدأت المجموعات الإرهابية والتنظيمات المحلية والخارجية التي ترعى الإغتيالات في لبنان وتنفذها، البحث عن الهدف السهل، كي لا تتكبّد عناء المخاطرة بأحد أفرادها وتتجنّب كشف أي خيط من خيوط جرائمها، فبدأت بإختيار الشخصيات الأكثر سهولة في الوصول اليها، والهدف من ذلك إثارة غبار التكهنات والتحليلات حول الجهة التي لها مصلحة في إغتيال شخصيات سياسية معتدلة ليست على عداء مستحكم مع أحد، وتحت هذه الضبابية جاءت جرائم الإغتيال السابقة التي طاولت جورج حاوي ووليد عيدو وأنطوان غانم وجبران التويني وبيار الجميل، ووسام عيد وفرنسوا عيد، وقبل هؤلاء ومعهم محاولات إغتيال مروان حمادة والياس المر ومي شدياق.
لقد سجّل منفذو هذه الإغتيالات نجاحاً باهراً في الحقل الإجرامي لا سيما في القدرة على الإجهاز على ضحاياهم بأقل الأكلاف، إنطلاقاً من ثلاث ثوابت الأولى حرفيتهم في عدم ترك أي أثر مادي لهم في مسرح الجريمة، والثانية سرعة إنتقالهم وعودتهم الى المربعات الأمنية التي إنطلقوا منها، وهو أمر أجمع عليه الخبراء الأمنيون الذين لفت إنتباههم أن كل هذه الإغتيالات ومحاولات الإغتيال تقع ضمن منطقة جغرافية، يختارها المنفذون مسبقاً وتكون إما قريبة جداً من مربّع أمني أو ملاذا آمنا يفرون اليه كما حصل في محاولة إغتيال النائب بطرس حرب أمس الأول، أو إختيار نقطة الهدف التي تكون قريبة جداً من مسلك أو خط سريع يؤمن إنتقال الجناة من موقع الجريمة بسرعة قياسية، والثالثة توجيه الأنظار أو الشبهات الى الإتجاه البعيد عن الفاعلين ومن يقف وراءهم.
والمفارقة في المسلسل الجديد أن أصحاب هذه المخططات الجهنمية، لا يجدون ضيراً في إصطياد الهدف سواء كانت الشخصية المستهدفة من صقور الخصوم أو من الحمائم، لكن القصد الدائم من تصفية الشخصيات الوسطية، يعطي الجهات المشتبه بها المجال لطرح تكهنات وإستفسارات عن المستفيد من تحييد هذه الشخصية أو تلك عن المسرح السياسي، وسرعان ما تجد الجواب بنفسها لتضعها في خانة حالة رفع الشعبية على أبواب إستحقاقات دستورية، كما أثار ذلك إعلام قوى الثامن من آذار، الذي أوحى بأن بطرس حرب حاول إغتيال نفسه من أجل رفع شعبيته أو شعبية "14 آذار" والقوات اللبنانية وشدّ عصبها عشية الإنتخابات الفرعية في الكورة مثلاً.
وفي هذا الإطار يرى خبراء أمنيون أن "حادثة محاولة إغتيال النائب حرب في وضح النهار، وإستعمال سيارات مسروقة ولوحات مزورة تؤشر الى أن البلد دخل مرحلة أمنية بالغة الخطورة، وأن الإغتيالات باتت على رأس السطح، وأن المجرمين لا يخجلون من هكذا عمليات طالما أنهم قادرون على الإفلات من الأجهزة الأمنية حتى لو ألقي القبض عليهم أو على البعض منهم".
وأكد هؤلاء الخبراء أن "الواقع الأمني الذي يعيشه البلد مرشّح لأي عملية إغتيال لأن الدولة ضعيفة جداً ومنهكة، ولأن الدويلات المنتشرة في المربعات الأمنية أقوى منها وأفعل على الأرض". وشددوا على أن "ما حصل أمس (الأول) أظهر أن لا وجود للدولة بكل ما للكلمة من معنى، وأن الكلمة على الأرض للعصابات، ومن هنا ليس أمام الشخصيات السياسية والوطنية والأمنية والقضائية التي ترى نفسها في دائرة الإستهداف إلا أن تتوخى الحذر، فعلى ما يبدو إن القرار السوري بتفجير الساحة اللبنانية وضع موضع التنفيذ وقد يكون الآتي أعظم".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك