مع انعقاد مجموعة العمل حول سوريا في جنيف، تبقى الانظار متجهة الى تركيا، متابعة للتطورات التي يمكن ان تنشأ عقب حادثة اسقاط الطائرة الاسبوع الماضي. وبالتزامن مع نشر انقرة آليات عسكرية على الحدود مع سوريا، ترتسم تساؤلات حول طبيعة الرد التركي المحتمل وسط تسارع الحوادث على اكثر من "جبهة"، ضمنها جبهة حزب العمال الكردستاني. وبين هذا الملف وذاك، تتواصل المتابعة التركية الحثيثة للوضع اللبناني ولا سيما في ظل الحوادث الامنية المتنقلة شمالا وجنوبا.
يؤكد مستشار وزير الخارجية التركي نائب رئيس مجلس ادارة مركز الابحاث الاستراتيجية في الخارجية ميزوت اوسكان ان بلاده تحتفظ بحق الرد وفقا للقوانين الدولية على حادث اسقاط الطائرة. ويوضح في لقاء مع "النهار" على هامش مؤتمر نظمه "مركز كارنيغي للشرق الاوسط" بعنوان "ابعاد وحقائق الدور التركي تجاه التغيرات في العالم العربي" اقيم في "البريستول" امس، ان انقرة "تسعى الى حماية ارضها وحقوقها"، لكنه تدارك ان "هذه المواقف لا تعني اننا نؤيد قيام منطقة عازلة او ممرات". واذ يلفت الى "ان النظام السوري يسعى الى استخدام ورقة حزب العمال الكردستاني على غرار ما فعل في التسعينات والثمانينات"، يأمل ان يتوصل لقاء جنيف الى "اجندة جديدة" تتناول الانتقال السلمي في سوريا، معتبرا ان خطة الموفد الاممي العربي المشترك كوفي انان "فشلت على الارض". اما لبنانيا، فيجدد اوسكان التأكيد ان "الحجاج المخطوفين لم يأتوا الى تركيا، وما زالوا في سوريا"، لافتا الى ان "انقرة تسعى الى المساعدة في اطلاقهم على غرار الجهود التي بذلتها سابقا لتحرير ايرانيين. وفيما يبدي قلق بلاده من الحوادث الامنية المتنقلة في بيروت والمناطق، يربط بينها وبين احتمال اندلاع نزاع مذهبي في المنطقة، مذكّرا بتحذيرات وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو في هذا المجال.
وتعليقا على اعلان انقرة تغييرها قواعد الاشتباك، والحشود العسكرية على الحدود، يردد اوسكان موقف تركيا "الواضح"، ومفاده "اننا في الاساس لم نكن نرغب في اشتباك مع سوريا، لكنهم اعتدوا على طائرة تركية وحيدة في الجو ومن دون سلاح، وكانت تقوم بتجربة رادارات الدفاع التركية. هذا نوع من الاستفزاز. هناك مشاكل داخلية في سوريا وهم يسعون الى استغلالها لجر تركيا ومؤسسات اخرى الى نزاعهم. وما نقوم به هو حماية وحدة اراضينا وقد اوضح رئيس الوزراء (رجب طيب اردوغان) والوزراء أنهم سيردون على اي اعتداء على اراضينا . لقد امروا الجيش بالرد على اي حادث مماثل قد يقع، وقالوا انهم يحتفظون بحق انقرة في الرد وفقا للقوانين الدولية وفي الوقت والمكان اللذين تختارهما".
ويكرر نفي بلاده لإمكان حصول تدخل عسكري تركي في سوريا نتيجة هذا الواقع، موضحا ان ما تسعى اليه انقرة هو "حماية ارضنا وحقوقنا. وهذه المواقف لا تعني اننا نؤيد قيام منطقة عازلة او ممرات. ما حصل اخيرا هو اننا عززنا فرقنا على الحدود وباتت في حال تأهب لانه يمكن ان يحصل استفزاز آخر من سوريا".
وعن ظهور حزب العمال الكردستاني على الحدود، يقول: "هناك شائعات وصور في بعض الاعلام. ولكن من الواضح انه بعد تغيير السياسة التركية تجاه سوريا، عززوا نشر عناصر الحزب ودعمه. كما انه برزت بعض المشكلات في هاتاي. يسعى النظام السوري الى استخدام هذه الورقة، على غرار ما فعل في التسعينات والثمانينات. لقد حصلت بعض الهجمات ايضا من شمال العراق . وثمة حركة تنقل لعناصر الحزب بين سوريا والعراق. ونسعى الى الرد بغية ازالة هذا الخطر. هذا استفزاز يقوم به النظام السوري". واذ يذكر بالاتفاق الموقع بين البلدين لازالة "الخطر الارهابي" (اتفاق ادانا)، يلفت الى توجه تركيا الى تذكير دمشق بمضمون هذا الاتفاق، موضحا انه و"في حال تواصلت الاعتداءات ضدنا فسنرد بالتدابير المناسبة ووفقا للقانون الدولي." ويقول: "رغم تحول الوضع في سوريا وعزل النظام، لا يزال الاخير يسعى الى استخدام " التكتيك" نفسه".
وفي اطار عرضه لحيثيات المؤتمر الدولي الذي يعقد في جنيف بدعوة من انان لمناقشة الاوضاع في سوريا، يعتبر مشاركة انقرة فيه طبيعية ولا سيما انها تحتضن اكثر من 25 الف لاجئ سوري، فضلا عن حادث الاعتداء على الطائرة، آملا في تحقيق خرق ما عبر هذه المحادثات. الا انه يرى في المقابل ان " الاستمرار في خطة انان لا يبدو مرجحا. ومن المفترض التوصل الى "اجندة جديدة" تتناول الانتقال السلمي"، معتبرا ان خطة انان الراهنة فشلت "على الارض". ويضيف:" يفترض ان يعترف الروس والايرانيون بان الشروط "على الارض" لم تعد في مصلحة النظام، فيوافقان على الانتقال لانهما يخسران الرأي العام في المنطقة، من المؤكد ان الوقت ينفد امام نظام الاسد وعلى روسيا وايران ان يدركا ذلك ووضع "اجندة" تتناول الانتقال من النظام القائم الى آخر".
وردا على سؤال عن مصير اللبنانيين الذين خطفوا في سوريا قبل نحو شهر، يجدد التأكيد ان "لا علاقة لتركيا بالموضوع ولم تتم عملية الخطف على ارضنا. لم يأتوا الى تركيا وهم ما زالوا في سوريا. ونحن نسعى الى المساعدة في اطلاقهم على غرار الجهود التي بذلناها سابقا لتحرير ايرانيين." ويعلق على "سياسة الحياد" المتبعة لبنانيا، مشيرا الى "التشنج الذي برز والذي اظهر وعي السلطات اللبنانية للآثار السلبية في حال امتداد النزاع في سوريا"، محذرا من "نشوء اي نوع من حرب اهلية في لبنان، لان الامر سيتحول اشكالية بالنسبة الى المنطقة ككل. لذا نقول، من الجيد ان يبقى لبنان في منأى عن النزاع في سوريا." ويختم "موقفنا واضح. نحن ضد اي انقسامات مذهبية هنا من شأنها ان تتسبب بمشكلات عدة".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك