ليس في «الحجّ» الى زحلة ما يدعو الى الاستغراب. ميشال عون وامين الجميل وطوني سليمان فرنجية زوار «الموسم» الانتخابي الذي لا ينتهي اصلا، لكي يبدأ من جديد. سمير جعجع لن يتأخر كي يلتحق باللائحة.
في المدينة وقرى القضاء نادرا ما تستريح الالة الانتخابية. نواب ومرشحون محتملون وزعامات تقليدية وناشطون حزبيون، الجميع هنا يتنفس انتخابات.
كان من المفترض ان يحلّ نجل سليمان فرنجية زائرا، للمرة الأولى، في زحلة في الثلاثين من حزيران لتدشين مكتب «تيار المردة». الزيارة مؤجلة لكنها لم تلغ. السبب المعلن هو قدوم الرئيس أمين الجميل إلى المدينة، اليوم وغدا.
حاول القيّمون على زيارة فرنجية تحديد موعد آخر لها خلال الـ«ويك اند» في شهر تموز، لكن ارتباط فرنجية بعشاء كازينو لبنان وسفره إلى الخارج واقتراب موعد بدء شهر رمضان، كل ذلك أدى إلى تأجيل الزيارة اقله حتى شهر أيلول المقبل.
في الكواليس، ثمة من يتحدث عن رغبة رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية بعدم صبّ الزيت على النار، بعد أن وصلت إلى مسامعه «أجواء» استياء عارم من جانب الوزير السابق الياس سكاف ممن وصفهم بـ«زوار من خارج المدينة يحاولون إقفال منزلي». كان سكاف بذلك يقصد ميشال عون وأمين الجميل.
وبـ«مفرداته» الزحلية، سأل الياس سكاف الناقم «صديقه» فرنجية، عبر أحد المقربين من الأخير، «وهل أنت أيضا تريد المشاركة في تسكير منزلي؟». رئيس «تيار المردة» الحريص على عدم استفزاز احد من زعامات المدينة وأحزابها فضّل، حسب اعتقاد المتابعين، إبعاد نجله عن دائرة «مستفزّي» سكاف عبر تأجيل الزيارة، مع العلم أن بطاقات الدعوة للمشاركة في عشاء «المردة» كانت قد طبعت وعلى وشك توزيعها على المدعوين.
لميشال عون إستراتيجية مختلفة تماما. الرجل خبير جدا في ادارة اللعبة وفرض أولوياته في بقعة «مسحورة» بزعمائها التاريخيين ونفوذهم. لا يتوقف كثيرا عند «زعل» الحليف السابق، ولا عند «عتب» الحليف المفترض. كان رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» منسجما تماما مع نفسه حين ابعد زيارته عن «زواريب» الانتخابات، مؤكدا أنها تأتي ضمن سياق تأكيد قناعاته بأهمية الحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق ومواجهة «نار الجهنم العربي» في ظل ما تشهده المنطقة من تغييرات مصيرية.
صحيح أن طابع الزيارة «وطني» و«ديني» و«تنظيمي»، إلا أن كل حرف صدر عن ميشال عون سيكون له «ترجمة فورية» في صناديق الاقتراع. قالها «الجنرال» بالفم الملآن: أي بديل في سوريا قد يضع المسيحيين في فم «الوحش». ومرة جديدة حدّد زعيم اكبر كتلة نيابية مسيحية في البرلمان خارطة «النهاية السعيدة» لمسيحيي سوريا: نظام بشار الأسد لن ينهار، لكنه سيتحوّل تدريجا إلى نظام أكثر ديموقراطية وعلمانية، البيئة المثالية للمسيحيين.
ليست هذه وجهة نظر خصوم ميشال عون في زحلة، وعلى رأسهم «القوات اللبنانية». سمير جعجع يتوقّع انهيار نظام بشار الأسد قبل نهاية العام الحالي. سيأتي قريبا إلى زحلة ليردّد ذلك على مسامع قاعدته الانتخابية. بالمحصلة، حتى تحت خيمة الصوت السني المرجِّح في زحلة، فإن الصوت المسيحي في صناديق الاقتراع سيفصل بين اتجاهين متناقضين: «نهاية» عون «السعيدة»، او «مغامرة» جعجع غير الآبهة بالبديل السوري... وربما يحسم هوية الرابح والخاسر. هنا على ارض الكثلكة يتقرّر مصير الأكثرية النيابية.
قد تكون زحلة من اكثر المناطق الانتخابية الساخنة التي تبقى فيها الترشيحات، حتى اللحظة الاخيرة، مجرد تفصيل. هي اذا مسألة تحالفات قبل ان تكون مسألة اسماء.
«تيار المستقبل»، وفق خصومه، يشتغل «على السكت» ليُبقي زحلة «في اليد» وليس «في القلب». يتحدث هؤلاء عن عمليات تجنيس مستمرة ونقل نفوس من دون ان يبرزوا الادلّة. واذا كانت الصورة على الجبهة الآذارية واضحة بعض الشيء، فإن تحالف الاكثرية يواجه معضلة حقيقية. الضالعون في التركيبة الانتخابية الزحلية يطرحون معادلة بسيطة تؤمّن اقصر الطرق لربح سريع للفريق الخاسر عام 2009. تحالف «التيار الوطني الحر» ونقولا فتوش وايلي سكاف و«تيار المردة» و«حزب الله» و«أمل»، وحده قد ينزع لقمة زحلة «الدسمة» من فم قوى 14 آذار!
يبدو «التنظير سهلا» والترجمة تحتاج الى معجزة. لا شيء في الافق يدلّ على إمكان السير بهذا الخيار. تكفي شكوك العونيين بأن سكاف يكاد ينتقل الى حضن قوى 14 آذار مفضّلا «تحالف المال»، والنفور المتزايد بين الاخير وفتوش، لكي يفهم المكتوب من عنوانه، علما أن الحلقة الضيقة المحيطة بعون، لطالما رددت أنه اذا كان الهدف هو الحصول على أكثرية من 65 نائبا، فان كل الشكليات مع الياس سكاف تسقط لصالح اعادة تصويب العلاقة مع «البيك» الزحلاوي... واذا بلغت الأمور حد رفض الأخير، فكرة التحالف من اساسها، فان ثمة من يضع في الحسبان ما بدأ يقلق سكاف، وهو ختم هذا البيت السياسي العريق بـ«الشمع الأحمر».
من يفوز بالمقاعد السبعة في زحلة سيفوز بالأغلبية. أمر يدركه الجميع، هذا ما قد يفسّر درجة الاستنفار العالية التي تشهدها مدينة زحلة تحديدا قبل سنة من الانتخابات. كل إشارة، كل زيارة، كل تصريح، كل خدمة، او «تطنيش» عن خدمات... لكل ذلك تفسيراته الانتخابية، فكيف زيارة بحجم الايام العونية الثلاثة، أو بحجم اليومين الكتائبيين لأمين الجميل في زحلة؟
يحتاج العونيون الى رؤية «جنرالهم» حاملا مفاتيح الحل والربط في زحلة، وإشعارهم بأن «حرد» الياس سكاف ولائحة شروطه، و«زئبقية» نقولا فتوش لن تبعدهم عن دائرة المقرّرين حيال الهوية السياسية للقضاء.
لا ترشيحات نهائية على طاولة الرابية طالما أن التحالفات لم تنضج بعد. امر واحد ينغّص العونيين. الإحصاءات على الارض لا تبشّر بالخير. «القوات» تأكل بشهية من الصحن المسيحي لتوسّع نفوذها تدريجا. خصوم معراب يدعون الرابية الى اخذ الحيطة والحذر.
في العام 2009، بلغت نسبة الاقتراع 59 في المئة، وهي النسبة الاعلى في تاريخ الانتخابات في زحلة. نال مرشحو 14 آذار 48 في المئة من الاصوات المسيحية، في ما نالت المعارضة (التي صارت أكثرية لاحقا) 46 في المئة (مقابل 68 في المئة في العام 2005). وفق مدير «مركز بيروت للبحوث والدراسات» الباحث الانتخابي عبدو سعد «دلّت نسبة تقدّم الموالاة وتراجع المعارضة (ميشال عون بشكل اساسي) لدى الناخبين المسيحيين على انها السبب الرئيسي في خسارة المعارضة وليس قوة التصويت السني فحسب، اذ كان في استطاعة الصوت الشيعي (8964 مقترعا) ان يحيّد الصوت السني (20984 مقترعا) لولا ارتفاع نسبة التراجع للمعارضين المسيحيين (اقترع اكثر من 16 الف مسيحي من غير الارمن).
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك