لا يمكن ، كما لا يجوز أن يظل ّ مصير لبنان ، وكما هو منذ زمن ، مجهولا ً او معلّقا ً. والفارق بين الحالين يكاد لا يبين ، بل يكاد يمحي بمرور الزمن . لقد مضى ما يقارب النصف قرن على تحويل هذا البلد الى متنفّس للصراع العربي ـ الاسرائيلي وما ينتج عنه ويتصل به من صراعات إقليمية ودولية ، أو فلنقل الى أرض مقاومة مسلّحة وحرب عصابات ضد ّ اسرائيل تقوم مقام الحروب المنتهية دوما ً بالمزيد من "الأراضي العربية المحتلّة" . حدث هذا التحوّل عنوة وبالالتفاف على ارادة اللبنانيين وليس بموافقتهم أو ارادتهم الموحّدة والحرّة ، وبكلام أكثر صراحة : بالفتنة الداخلية المستديمة ، بالسلاح او من دون سلاح لا فرق ، فالمهم ألاّ يلتقي اللبنانيون على وقف هذه اللعبة وعلى إعادة الأمور الى نصابها . فالى أين مصير لبنان بعد تعليقه كل هذه السنين وما واكبه من تغييرات هائلة في أوضاعه السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية ، بل في هوّيته الثقافية والحضارية والانسانية ؟
إنّه البلد المجهول المصير ، والموصوف بهذا الكلام الذي يتناقله خرّيجو الجامعات في مثل هذه الأيام من كل عام : "لا مستقبل لنا في هذا البلد" . نحار ، نحن الذين لا نزال نحبّه ، ونؤمن بجذوره التاريخية ، أو على الأقل بضرورة وجوده ماضيا ً وحاضرا ً ومستقبلا ً، ونتشبّث به ، وبالتالي ، نحلم بقيامته من بين الأنقاض ، ونراهن ايضا ً على عبقرية انسانه وإبداعه متى كانت الحرية مسوّغ وجوده ، أجل نحار كيف نجعل أولادنا يحبّونه ، ويؤمنون به ، ويحلمون ايضا ً مثلنا ويراهنون على أنفسهم ، لكن واقع الحال يشهد دوما ً بالعكس . فهم لا يعرفون لبنان إلا ّ حرائق مشتعلة ، وقعقعة سلاح من كل الهويات ، وخطفا ً على الهوية الدينية ، وأحقادا ً وضغائن وسجالات مليئة بالاتهامات ، وفوق هذا كلّه اصرارا ً على المضي في مقاومة اسرائيل على النحو الذي يمنع قيام الدولة السيدة والمسؤولة ، وبالتالي ، يعلّق مصير لبنان الى أجل غير مسمّى.
ولسوء الحظ ليس هناك حتى الآن ما يدل ّ على ان ثمة ثهاية لهذا الارتهان للخارج ، وبالتحديد لظاهرة انتشار السلاح في لبنان والفوضى الأمنية الناتجة عنها ، وبخاصة سلاح حزب الله ، والسلاح الآخر الفلسطيني خارج المخيّمات وداخلها. وفي المناسبة ، الى متى مخيّمات البؤس والقهر التي لا بد ّ من أن تنفجر من وقت الى آخر وتفجّر ما حولها كما يحدث الآن ، رغم الكلام الكثير على حق العودة ، بل رغم علم الجميع بان لا دولة فلسطينية في هذا الزمن كما في الزمن اللاحق يعود اليها هؤلاء المقهورون في عيشهم وكرامتهم كراما ً أعزّاء ؟ وهل من علاج لأحوال هؤلاء غير التشدّق بلا للتوطين والتمسّك الكلامي بحق العودة وما الى ذلك من أقوال ؟
والحق يقال ان ما يحدث في لبنان منذ عقود يمكن أن يدوم عقودا ً أخرى ، بل قد يدوم ما دامت اسرائيل قادرة على منع قيام أي دولة فلسطينية حقيقية في جوارها . ولا يبدو حتى الآن ان هناك مقاومة ، أو ممانعة ، عازمة على إرغام اسرائيل على وقف حركة الاستيطان ، على الأقل ، في القدس كما في الضفّة الغربية المزروعة بعشرات المستوطنات . فكيف اذا كانت الجمهورية الاسلامية في أيران لا ترضى بما يقل ّ عن ازالة الدولة العبرية أو اليهودية من الوجود ؟ فعلى الأقل بعض التوافق على مستقبل هذا البلد ، وكيف سيكون ، وفي أي زمن سيصبح ، بالفعل ، بلدا ً منزوع السلاح ، من أقصاه الى أقصاه ، والحكم للقانون لا للسلاح . وفي مطلق الأحوال لا يجوز ، ولا يمكن أن يظل ّ مصير لبنان مجهولا ً حتى يعود اللاجئون الفلسطينيون الى ديارهم كما يقال ، وتكون للجمهورية الاسلامية في ايران المكانة التي تستحقها أو تطمح اليها في هذه المنطقة من العالم.
فكما ان لا مستقبل منظور أو معروف للقضية الفلسطينية ، كذلك الأمر بالنسبة للقضية اللبنانية
ولا مبالغة في هذا التوصيف مهما قيل تستيرا عليه أو انكارا ً لصحته أو تشبثا ً بما نسمّيه ثوابت وطنية لكن التغيير المتواصل في كينونة هذا البلد يتقدّم عليها ويسبقها أحيانا ً ، بل يكاد يؤسّس لثوابت أخرى مختلفة أو مغايرة لها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك