كتب ريمون مارون في مركز Meirss:
يبدو أن المشهد السياسي والعسكري لحزب الله يشهد تحولًا جذريًا في أعقاب تورطه في حرب غزة الأخيرة، وهي حرب أثارت الكثير من التساؤلات حول جدوى استراتيجياته وأهدافه. خطاب الشيخ نعيم قاسم الأخير، الذي تضمن اعترافات ضمنية بفشل الحزب في تحقيق توازن الردع أو منع إسرائيل من التوغل في الأراضي اللبنانية، يدعو إلى وقفة تأملية عميقة. فهل يمكن أن تكون هذه اللحظة مناسبة لإعادة التفكير في دور المقاومة المسلحة والتوجه نحو بناء دولة قوية تكون الحصن الحقيقي للبنان؟
الخطاب الجديد للشيخ نعيم قاسم يعكس تراجعًا واضحًا عن خطاب "وحدة الساحات" الذي ظل الحزب يروّج له. هذا الخطاب الجديد، الذي يقر بأن حزب الله لا يستطيع منع إسرائيل من الدخول إلى لبنان، يُعد اعترافًا صريحًا بفشل "طريقة القتال" التي انتهجها الحزب. كما أن تأكيده على أن الحزب "مجرد مقاومة" هو تقليص لدوره بعدما كان يُصور نفسه كقوة إقليمية قادرة على تغيير موازين القوى في المنطقة.
لكن الأهم من ذلك هو اعترافه بأن حزب الله يعمل "تحت سقف اتفاق الطائف"، وهو ما يمكن أن يُفسر كإشارة إلى استعداد الحزب لإعادة النظر في موقعه داخل الدولة اللبنانية. هنا، يبرز تساؤل فلسفي وسياسي في غاية الأهمية: إذا كانت المقاومة قد فشلت في تحقيق أهدافها الكبرى، فلماذا لا تكون الدولة هي الحل؟
لطالما كان مفهوم الدولة في الفلسفة السياسية محورًا للنقاش حول كيفية تحقيق الأمن والعدالة. يذكرنا الفيلسوف الألماني هيغل بأن الدولة هي "التجسيد الأعلى للروح الأخلاقية"، حيث تكون القوة خاضعة للقانون، وليس العكس. في حالة لبنان، يعاني النظام السياسي من انقسامات طائفية ومؤسسات ضعيفة، لكن ذلك لا يعني أن الدولة غير قادرة على التحول إلى قوة فاعلة إذا ما توفرت الإرادة السياسية.
اتفاق الطائف، الذي يُعد الإطار التأسيسي للبنان الحديث، ينص بوضوح على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة. هذا النص لا يشكل مجرد بند قانوني، بل هو تعبير عن فلسفة سياسية ترى أن احتكار الدولة للعنف المشروع هو السبيل الوحيد للحفاظ على سيادة البلاد. ومن هنا، فإن تسليم حزب الله لسلاحه ليس تنازلًا، بل هو خطوة ضرورية لتمكين لبنان من بناء جيش قوي يكون قادرًا على الدفاع عن أراضيه بشكل مؤسسي وشرعي.
حزب الله، برغم قوته العسكرية، يعيش في عزلة سياسية ودبلوماسية متزايدة. الاعتماد على الدولة كإطار جامع يتيح للحزب العودة إلى المشهد السياسي كجزء من النسيج الوطني، وليس ككيان منفصل.
استمرار وجود قوة عسكرية خارج إطار الدولة يُضعف الثقة بين المكونات اللبنانية. تسليم السلاح للدولة يمكن أن يكون خطوة أولى نحو استعادة الدولة.
الدولة القوية هي القادرة على تحقيق السيادة الحقيقية. بدلاً من مواجهة إسرائيل عبر ميليشيا، يمكن للبنان أن يعزز موقعه عبر جيش قوي ودبلوماسية نشطة.
ما يواجهه حزب الله اليوم ليس مجرد أزمة عسكرية أو سياسية، بل هو أزمة وجودية تتطلب شجاعة الاعتراف بالواقع وإجراء مراجعة جذرية للمسار. بدلاً من التمسك بخطاب الانتصارات الوهمية، يجب على الحزب أن ينظر إلى التجربة اللبنانية بمنظار أوسع. لقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن المقاومة المسلحة، بصيغتها الحالية، ليست حلاً ناجحًا.
الدولة هي الحل، لكنها تحتاج إلى اعتراف حقيقي من جميع الأطراف. إذا كان الشيخ نعيم قاسم صادقًا في التزامه بسقف الطائف، فإن الخطوة الطبيعية التالية هي تسليم السلاح للدولة والانخراط في مشروع وطني جامع. هكذا فقط يمكن للبنان أن يتحول من ساحة للصراعات إلى دولة قادرة على الدفاع عن نفسها وبناء مستقبل سيد حر مستقل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك