كتب كلوفيس الشويفاتي في "أخبار اليوم":
إذا كان قادة حزب الله ومسؤولوه ومقاتلوه حتى آخر نفر منهم، يعتبرون أن كل ما يقومون به يؤدي الى النهاية التي يعملون من اجلها. واذا اعتبروا من قائدهم السيد حسن نصرالله حتى آخر عنصر فيهم أن استشهادهم هو انتصار، فهذا شأنهم وحدهم ويخصّهم ويخّص عقيدتهم التي نختلف معها في العمق، ولا يمكن برأينا أن تخضع لأي منطق واستراتيجية إنسانية وسياسة وعسكرية... فلا يمكن أن تخضع عقيدة وقناعة كهذه لحسابات النصر والهزيمة والانتصار والانكسار والربح والخسارة..
ولكن الى كل أولئك الذين يصّرون على إهانة الناس وإذلالهم بادعاء الانتصار، ومنهم إعلاميون وصحافيون وباحثون سياسيون، يتشدقون في كل الأوقات ليلا نهارا على وسائل التواصل والشاشات المحلية والعربية... فندعوهم وبكل محبة، لا بل نرجوهم أن يرحموا الناس في أوجاعهم ومآسيهم، وأن يحترموا العقول والكرامة الانسانية والعزة وحتى الاخلاق. وأن يكّفوا عن المكابرة القاتلة، وليصمتوا فقط لأن ذلك اشرف لهم وأفضل، ليبقى لهم بعض المصداقية والاحترام لدى الرأي العام...
وفي المقابل، نقّدر ونحترم منهم من اعترف وقال إن الحسابات كانت خاطئة والوقائع مغايرة، وأنهم خدعوا بالشعارات والدعاية الزائفة وبالروايات والاخبار المزيفة، وقد أثبتت الوقائع زيف وعكس ما كانوا يعتقدون ويعتبرون... وأيقنوا ان لا انتصار ولا عزة عندما يقوم ضابط هامشي في جيش العدو، يجيد الكلام باللغة العربية، وينشر اربعة أسطر فقط في الاعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تؤدي هذه الأسطر الى تهجير مئة الف مواطن من منازلهم، فتنزح مدينة بعلبك وبلدتي دورس وبورضاي بالكامل الى منطقة دير الاحمر وزحلة وغيرها.. فهل هناك ذل وهوان وإهانة أكبر من ذلك؟ وكيف لعاقل مع ذلك أن يدعي انتصارا وعزة وكرامة...
أعرف الكثير من العائلات الشيعية الكريمة واقدرها واحترم عاداتها ومعتقداتها وتقاليدها، وأزور أصدقاء منها في منازلهم... فعندما كنا نزور البعض كانت "الحجة" الام او الأخت او الزوجة مثلا توصل صينية القهوة أو العصير الى مدخل المكان الذي نزوره، ليتسلمها الرجل ويقوم بواجب الضيافة عنهن. وطبعا نحن نحترم هذا السلوك وهذه العادات والتدابير الإيمانية او الاجتماعية ونقدّرها تماما.
ولكن اليوم أيها السادة، الام والزوجة والأخت يفترشن الأرض امام آلاف البشر على الكورنيش البحري في العاصمة، او في وسط بيروت وفي ساحة الشهداء، وفي كل الساحات والاماكن العامة، وفي المدارس والكنائس والمستودعات ومداخل البنايات والمحلات التجارية، ومع مئات البشر رجالا ونساء واطفالا...فهل يوجد مهانة أكبر من ضرب كل العادات والمعتقدات والسلوكيات الايمانية والاجتماعية وتدميرها كما دمر العدو المنازل والممتلكات؟!
لن اعطي امثلة اكثر عن الحاجات والاوضاع الاجتماعية المذلة التي يعيشها الناس والعائلات كل يوم، ويكفي للإطلاع عليها ان يجوب أي مواطن بعض الشوارع في العاصمة، أو يمّر في وسط بيروت وفي بعض الاحياء في مختلف المناطق اللبنانية، ليطلع على جزء بسيط من الواقع الأليم...
ولكن حتى اولئك الذين يدّعون ويتشدقون بانجازات الميدان ويرددون صبحا ومساء ان 'الكلمة للميدان".
فأي ميدان هذا عندما نشاهد ضابطا صغيرا في جيش العدو، يكبس على زر صغير، أو يوصل طاقة كهربائية لجهاز أمامه، فيدمر قرية بكاملها، فيها مئات المنازل التي تمثّل تعب وحياة وجنى اعمار الناس، ويقتل بكبسة زر تاريخا وحنينا وذكريات لا يعرفها إلا من له قرية ومنزل وأهل وتراب يضم رفاة اهله واجداده...
فرجاء رجاء، لا تذّلوا الناس أكثر، ولا تنتهكوا كراماتهم وتهينوهم بادعاء انتصار وفوز وربح وتقدم..
إرحموهم في معاناتهم التي لا وصف لها، ولا يقبلها لا عقل ولا قلب ولا ضمير ولا وجدان...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك