كتب محمد شقير في "الشرق الأوسط":
في قراءة متأنية للمضامين السياسية التي أوردها الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في مخاطبته جمهوره، مع تصاعد وتيرة الحرب الدائرة بين «حماس» وإسرائيل، لا بد من التوقف أمام الأسباب التي تكمن وراء إغفاله الحديث عن دور الدولة اللبنانية، وعدم إشارته لا من قريب أو بعيد لمروحة الاتصالات الدولية والعربية التي يتولاها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لتوفير الحماية للبنان ومنع تدحرج الحرب إلى الجبهة الشمالية، التي ما زالت تشهد مواجهة غير مسبوقة قياساً على ما كانت عليه قبل اجتياح «حماس» المستوطنات الإسرائيلية الواقعة ضمن غلاف غزة.
فخطاب نصر الله، وإن كان اتسم بالواقعية والعقلانية، وأرخى حالة من الاطمئنان على اللبنانيين، كما يقول مصدر سياسي بارز لـ«الشرق الأوسط»، فإنه في المقابل توخّى منه التوجّه بالدرجة الأولى إلى محازبيه، وأولهم ذوو الذين سقطوا في المواجهة المشتعلة مع إسرائيل على امتداد الجبهة الشمالية.
ويسأل المصدر السياسي عن تغييبه لثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، التي يصر الحزب على إدراجها في صلب البيانات الوزارية للحكومة اللبنانية، وأيضاً عن إغفاله القرار 1701 وضرورة تطبيقه، خصوصاً وأنه كان وراء إرساء معادلة توازن الرعب في المواجهة مع إسرائيل المحكومة بعدم الإخلال بقواعد الاشتباك، وإن كانت تعرضت للإخلال بها من دون خروجها عن السيطرة، كما هو حاصل اليوم على طول الجبهة الشمالية.
ويلفت إلى أن نصر الله أراد أن يتوجّه إلى «ذوي الشهداء» الذين سقطوا في المواجهة مع إسرائيل، بقوله لهم بأنهم كانوا وراء إشغال العدو واضطراره إلى سحب أفواج من جيشه إلى الجبهة الشمالية، للتخفيف عن الحرب التي تستهدف قطاع غزة، ويقول إن الحزب دخل المعركة منذ اليوم الأول لاجتياح «حماس» المستوطنات الإسرائيلية الواقعة ضمن غلاف غزة، وهو يخوض الآن معارك تأتي في سياق مساندته لـ«حماس»، مع إبقائه على كل الاحتمالات مفتوحة والخيارات مطروحة، ويمكن أن نذهب إليها في أي وقت من الأوقات في ضوء ما ستؤول إليه مجريات الحرب التي تحشد لها إسرائيل ضد غزة.
ويؤكد المصدر نفسه أن الحزب يخوض معركة مفتوحة ضد إسرائيل، وإن كانت أقل من انخراطه في حرب بلا ضوابط، ويرى أن نصر الله حرص على طمأنة اللبنانيين، في مقابل الإبقاء على إسرائيل في دائرة القلق معطوفة على مجريات الوضع الميداني في غزة.
ويضيف أن خطاب نصر الله اتسم بواقعية، آخذاً في الاعتبار المزاج الشعبي الذي لا يحبّذ استدراج البلد إلى حرب يعرف من أين تبدأ لكنه لا يستطيع أن يتكهّن إلى أين ستنتهي، ويقول إنه يدرك كسواه من القوى السياسية أن لبنان في ظل الأزمات التي تحاصره ليس مؤهلاً للانجرار إلى حرب على غرار حرب يوليو (تموز) 2006.
ويعد المصدر السياسي أن لبنان، بإمكاناته الراهنة، يفتقد إلى مقومات الصمود التي كانت قائمة إبان «حرب تموز»، وهذا ما ظهر للعيان من خلال الصعوبات التي تعترض الحكومة في تأمين الأكلاف المالية المترتبة على وضع خطة الطوارئ التي أعدّتها لاستيعاب ما يترتب على قيام إسرائيل بش عدوان واسع على لبنان.
ويرى أن هناك أكثر من ضرورة لاستحضار الدولة اللبنانية والوقوف خلفها، أو إلى جانبها، لاستيعاب التداعيات المترتبة على لجوء إسرائيل إلى توسيع رقعة النزاع لتشمل الجبهة الشمالية، ويقول إنه لا يكفي تبرئة الحزب وإيران بعدم معرفتهما المسبقة باجتياح «حماس» المستوطنات الإسرائيلية، بقول نصر الله: «أخذنا علماً بحصوله مثل كل العالم».
ويتوقف أمام ضرورة التناغم بين الحزب والدولة اللبنانية، ممثلة بحكومة تصريف الأعمال، وصولاً إلى توحيد الرؤية لتأمين شبكة أمان سياسية تحظى بدعم عربي ودولي، ويقول إن لا مصلحة للحزب بتغييبها في المطلق كونها تتمتع بمروحة واسعة من الاتصالات ليست في متناوله، في ضوء الانحياز الأوروبي لإسرائيل والتأييد المطلق لها من الولايات المتحدة الأميركية، وإلا لماذا حمّل نصر الله واشنطن المسؤولية الكاملة في منعها إدانتها من جهة، وفي ممارستها حق النقض، الذي حال دون توصل مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار يقضي بوقف إطلاق النار؟
ولا يكفي، كما يقول المصدر السياسي، بأن يسجّل الثنائي الشيعي عتبه الشديد على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على خلفية انحيازه بلا شروط لإسرائيل، وهذا ما ظهر جليّاً من خلال توالي الإنذارات الفرنسية للبنان، بأنه لن تكون هناك منطقة لبنانية آمنة في حال قرر «حزب الله» الانخراط في الحرب.
يسأل المصدر السياسي: ما الذي يمنع «حزب الله» من الالتفات إلى الجبهة الداخلية والعمل من أجل تحصينها، بدلاً من أن يخوض منفرداً معركته ضد إسرائيل، ويتصرف وكأنه الآمر الناهي، ويحصر بنفسه قرار السلم والحرب، فلا يتواصل مع رئيس الحكومة للتفاهم على كيفية إدارة المعركة محلياً ودولياً وعربياً، خصوصاً أن الحزب على خلاف مع عدد من الدول ولا يقيم معها أي علاقة، فيما يشتبك سياسياً مع قوى محلية وازنة من غير الجائز تجاهلها؟
ويبقى السؤال: هل يراهن الحزب على تبدُّل في المواقف العربية والدولية، على الرغم من أن واشنطن، كما تقول مصادر أميركية في بيروت، تواجه مشكلة في إقناع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بوجوب الموافقة على هدنة إنسانية تسمح بإيصال المساعدات الضرورية إلى غزة، مع أنها سعت للوقوف إلى جانبه بلا شروط؟ وأين تقف إيران؟ وهل سيكون لها موطئ قدم في الوساطات الجارية لإطلاق المحتجزين لدى «حماس»؟
وعليه يأخذ المصدر السياسي على نصر الله عدم شموليته في خطابه السواد الأعظم من اللبنانيين، بدلاً من أن يحصره بجمهوره ومحازبيه، مع أن لا شيء يمنعه من الدخول في ربط نزاع مع خصومه من موقع الاختلاف، لأن لبنان ما قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) هو غيره اليوم، وبالتالي فإن الضرورات تبيح المحظورات وتفتح الباب أمام التوجُّه إلى اللبنانيين بخطاب شامل، لأن الأولوية الوحيدة على جدول أعمال المرحلة السياسية الراهنة تبقى محصورة بتحصين الجبهة الداخلية، والنأي بها، ولو مؤقتاً، عن «الحرتقات السياسية» لإخراج البلد من الغيبوبة المفروضة عليه. فهل يبادر الحزب قبل فوات الأوان للانفتاح على خصومه لئلا تبقى المواجهة على الأقل بشقها السياسي في عهدته، وكأن لا شركاء له في الوطن.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك