كتبت صفاء درويش في موقع mtv:
هل تساءل معدّو الخرائط السياسية والانتخابية اليوم، ماذا لو كان جبران باسيل في محور آخر؟ هل تساءلوا عن التوازنات في حال سلك التيار الوطني الحر مساراً آخر في مقاربة القضايا الوطنية والمصيرية؟ هل حاولوا دراسة الأرقام وقياس مدى تبدّل شعبية باسيل لو لم يكن حيث هو اليوم؟
أسئلة قد تكون الإجابات عنها غير دقيقة في الوقت الراهن، ولكن من المؤكّد أن أي تموضع آخر كان ليرفع من أسهم التيار كثيرًا، وهو ما تعتقده بيئة مؤثرة بداخله.
يُحسب جيدًا للتيار الوطني الحر، لدى حلفائه وأخصامه، أنّه استطاع منذ توقيع ورقة التفاهم دفع كثر نحو تقبّل المقاومة وجمهورها بشكل أكبر. ومنذ ورقة التفاهم، محطات عدّة مرّ بها باسيل، اختار خلالها خيارات غير مربحة شعبيًا أو سياسيًا، بحسب وجهة نظر بعض جمهوره، محافظًا على قناعاته وتحالفاته.
يرى هؤلاء أن التيار الوطني الحر خاصم في الداخل معظم القوى السياسية، انطلاقًا من معايير الفساد والمحاصصة. خاصمها حين كان يمثل أكثرية مسيحية خالصة، لو أراد التحاصص مع الباقين لنال ببساطة 100% من التوظيفات والمشاريع والحضور على مستوى الدولة. خسر باسيل من كان في جمهوره ينتظر منه خدمة هنا وحصة هناك، وخسر قوى سياسية قررت بسبب عناده مواجهته مجتمعة، حتى باتت الأكثرية النيابية التي حصّلها شعبيًا أقلية فعلية، بعد اتحاد أخصامه وصمت حليفه.
في مرحلة أخرى يُنتقد باسيل بشدّة على أنّه وافق على التحاصص السياسي من أجل تسوية رئاسية. الردّ المنطقي هنا هو سلاح قيادة "التيار" وهو أن التغيير كان يجب أن يكون من الداخل وليس من خلال معارضة لا تغيّر شيئًا في ظل نظام لبنان الحالي.
يُلام باسيل كثيرًا أيضًا من بعض جمهوره؛ لماذا لا يبادر نحو شدّ العصب المذهبي في لحظات التصعيد الأمني؟ لماذا يحالف حزب الله في وقت قد يتحوّل به إلى محبوب كل الجماهير لو جاهر له الخصام؟ حتى أن البعض يلومه على اصراره على المناصفة في الوظائف العامة، فلو لم يلح على رفع نسبة توظيف المسيحيين في أكثر من ملف كما فعل الآخرون لكان تجنّب مخاصمة كثيرين، على رأسهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
قد يكون هؤلاء على حق حين يتبيّن أنّ عدداً من الشخصيات المستقلة، التي وجدت في التيار الوطني الحر سابقًا بيئة سليمة ومريحة للتحالف معها في الإنتخابات النيابية، تراجعت عن التحالف معه اليوم نتيجة العقوبات التي أتى بها باسيل لنفسه بعد رفضه التخلّي ولو بشكل علني وسطحي عن تفاهمه مع حزب الله.
خارجيًا، لم يوفّق باسيل بنسج علاقاته العربية كما ارادها وسعى اليها، نتيجة الشروط القاسية والتي تحتّم عليه عزل ورقة التفاهم مع من يمثل ثلث اللبنانيين من وجهة نظره.
كل ما سبق لن يُعاد، ولكن أمام العهد وباسيل فرصة كبيرة اليوم لعدم مجابهة الضغوط الاميركية والضغط بالمقابل على حزب الله للموافقة على الحل المقترح من الولايات المتحدة من أجل ترسيم الحدود البحرية. يعتبر البعض أن هكذا خطوة قد ترفع عنه العقوبات التي تسبّب بها هو لنفسه، مقابل بضعة كيلومترات من المياه التي لن تقدّم أو تؤخّر، فيصوّر العهد بطلًا وأنّ في زمنه بدأ لبنان باستخراج نفطه. حتى هذه البطولة قد يرفضها باسيل!
من جديد، لا يسير باسيل سوى بقناعته، يقول عارفوه. وهنا تتكدّس الخسارة فوق الخسارة بعدما يكون باسيل قد عاند ادارتين اميركيتين، جمهورية وديمقراطية، اضافة لنصف العرب واكثرية الداخل اللبناني.
فهل يحافظ باسيل على سياسة عدم التنازل، أم أنه حان الوقت لترجيح كفّة المكاسب والسير بسياسة ليّنة لا تُكسر ولا تُعصر؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك